إذا كنت تسمع عن كليات القمة، ووضع طلابها اجتماعيا، فأنت بالتأكيد في دولة من دول العالم الثالث، هؤلاء الذين ما زالوا يعتقدون أن الشيء المادي الملموس أسمى وأرقى، وإن كان الشيء المعنوي أصدق وأكثر تأثيرا.
عندما أصبح الجميع يتنافسون حول مقاعد الأطباء والمهندسين، بلا لحظة تفكير أو حتى لحظة صمت، وعندما أصبحت دراسة الآداب والفنون دراسة سطحية مجردة من أي مشاعر، حيث لا يقبل عليها إلا من أضاع فرصة الالتحاق بإحدى كليات القمة، فتلك هي المشكلة.
ولكن التساؤل هنا ليس عن أكثرهما أهمية، فالأهمية لا تكمن في ضرورة المعرفة الفردية، فالطب والدواء على قدر كبير من الأهمية، يتوقف عليهما حياة الناس، ولكن إذا علم بهما شخص واحد في قرية كفاها، وكذلك علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرهم، ولكن ماذا عن الآداب والفنون، حيث بنيان العقل وتكوين الرأي والبصيرة، هل رأي واحد في قرية يكفيها؟!
الفرض في الدين الإسلامي نوعان؛ فرض عين وفرض كفاية. فرض العين؛ هو ما وجب على كل مسلم ومسلمة، ولا يسقط بقضاء شخص آخر نيابة عنه مثل صلاة الفروض الخمسة وصيام شهر رمضان، بينما فرض الكفاية هو ما يسقط عن الجميع عندما يقضيه بعضهم، مثل صلاة الجنازة إذا لم يقم لها أحد أثموا جميعا، وإذا قام بها بعض منهم سقط الفرض عن الجميع.
فدراسة العلوم فريضة، وكذلك الآداب والفنون، ولكن أيهما فرض كفاية وأيهما فرض عين؟!
التطرق لهذه الفكرة ليس بهدف مصلحة شخصية لفرد، بل لأن خطأ الفرد في فهمها يودي بالمجتمع كله إلى الهلاك، فالمجتمع جسم متين إذا اعتل عضو به ولو صغير اختل أكبره، إذا أهمل عضو ما حواجزه المناعية أصبح فريسة سهل صيدها ثم التمكن من الجسم بأكمله.
فعندما تتجمد المشاعر، ويفتقر العقل إلى حاسة التذوق؛ تذوق الأدب والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة والمسرح والموسيقى، يتحول الإنسان إلى آلة مثل تلك الشخصية التي قدمها الفنان محمد صبحي في مسرحية "الهمجي" عندما سمح لعقل صناعي بالسيطرة على عقله، وسبق وقد استفضت تغزلا بهذا العمل الخالد.
عقل كالآلة يفهم ما يراه وما يسمعه، ولا يدرك ما وراء ذلك، ومهما ارتقت درجة تعقيدها فلها حل، لها ثغرة إذا أدركها مستغل كانت النهاية، ولكن كيف يمكن خداع عقل تسلح بالآداب والفنون؟!
التعليقات