تُحدثنا الأم (مصر) بلغة بسيطة تعبرعن بعض مشاعرها، تحدثنا عن ابنها البطل يسري عمارة وكيف استطاع أسر الضابط الإسرائيلي: عساف ياجوري. فتقول:
في يوم 12 يوليو سنة 1947 كان ميلاد "يسري أحمد عبدالله عمارة" في مصر القديمة واتربى في قرية كفر السادات بمدينة تلا بمحافظة المنوفية، حصل على الثانوية العامة من مدينة تلا عام 1966، والتنسيق في الثانوية وداه معهد التربية الرياضية بالهرم، و فى نفس الوقت أعلنت الكلية الجوية عن طلب دفعه تانية لنفس العام لعدم وجود أعداد كافية من الطلبة المقبولين من الدفعة الأولى، واتقدم يسري من غير ما يقول لحد من أهله، وعدى من كل الكشوفات لغاية ما وصل لكشف الهيئة، وقتها بلغ العيلة بإنه أتقدم لكلية الطيران، وإنه داخل على كشف الهيئة.
وبالفعل نجح ودخل الكلية وانضم للدفعة 21جوية بتاريخ 26/11/ 1966 و حضر الإعدادي والمتوسط، وبعد سنة دراسية وأثناء الكشف الدوري طلعت التقارير الطبية اللى بتقول إن فيه كيس دهني بالعين اليسرى..
وتم عمل عملية وتمت إزالته.. لكن التقارير نوهت لإصابته في المستقبل بارتخاء فى عصب الجفن للعين اليسرى وممكن تكون فيه إصابة بالحول في سن الأربعين وبالتالي مش هايصلح للطيران.
فى التوقيت حصلت حرب 5 يونيو 67 وشاف يسري و زمايله ضرب العدو للكلية والمطارات والممرات والهناجر، ودا أثر عليهم سلبيا بشكل كبير.. وكان بيقول "تعبنا جدا بعد الضرب دا، وكان من دفعتي وقتها عاطف السادات وأشرف مقلد وعشنا أيام صعبة ومحزنة و من فضل الله إن ما حصلشي أي خسائر فى الأرواح.. وجمعونا وأخذونا بعد الضرب لمدارس الثانوي الصناعي فى بلبيس.. وهناك قضينا فترة تدريبات مهمة، وبعدها اتحولت للكلية الحربية واتخرجت منها ضمن الدفعة 55 في 20/7/1969 وانضممت لأسرة الكتيبة 361 مشاة اللواء 117الفرقة الثانية في منطقة سرابيوم وعين غصين بين الإسماعيلية والسويس".
واتخرج ابني البطل يسري عمارة في أيام حرب الاستنزاف، في وقت كان شعار كل ولادنا في القوات المسلحة: إما النصر أو الشهادة.
وبدأوا تدريبات عسكرية ومشاريع ومناورات كتيرة وكانت شاقة جدا جدا.. وفى مرة حكالي يسري إنه بعد تخرجه وفى أول يوم وهو رايح يسلم نفسه في الكتيبة حصل هجوم جوي إسرائيلي عليهم في منطقة جبل مريم وسرابيوم، وقتها كان رايح لقيادة اللوا ببدلة التخرج وهو في قمه الأناقة، وكانت قيادة اللوا في جناين المانجو، وأثناء ذهابه قابله مندوب قيادة الكتيبة وهو الملازم أول عبد المنعم الدمرداش من دمنهور، ولسه بيسلم عليه حصل الضرب من العدو وصرخ فيه عبدالمنعم وهو بيقوله انزل الحفرة بسرعة، ونزل والحفرة.. و كانت مليانه ميه وطين، وفضلوا في قلبها لمدة ساعتين لغاية ما انتهى الهجوم، وبعدها نادي عليه عبدالمنعم عشان يخرج، ولما خرجوا طبعا كانت البدلة بتاع الخريج الجديد والأناقة كلها طين.. طبطب عليه زميله وقاله في ابتسامة : بيحتفلوا بيك فى أول يوم.
وموقف زي دا زود الحماس جواه إنه لازم ينتصر. وصل يسري للكتيبة 361 مشاه وقام قائد الكتيبة بتعيينه قائد الفصيلة الخامسة من السرية التانية ولسوء حظه كان معظم الطريق (وهو طريق المرشدين) بينه وبين الميه ساتر ترابي وموجود فيه ألغام زرعها المهندسين لعدم حدوث أية اختراقات ما عدا نقطة تواجده وتمركز فصيلته .. ودا مع خريج جديد وفى أول أيامه وتحت قيادته مجموعة من الجنود .. شيء مش سهل ابدا، وكانوا أدام مياه القنال مباشرة في مواجهة العدو ، ودا معناه إنها نقطة سهله الاختراق والتسلل ليهم من العدو .
وفي صباح اليوم التالي لاستلامه لمكانه اكتشف إن الإسرائيليين بنوا الساتر الترابي مستغلين كل الردم الموجود فى الضفة الشرقية بارتفاع 22متر وعليه 35موقع دفاعي من بورسعيد للسويس وفيه نُقط قوية وحصينة.. وكان من الصعب اختراقه.. لكن الاستطلاع المصري كشف ما بعد خط بارليف و ما بداخله من صواريخ وسلاح خفيف وثقيل وعساكر وضباط ودبابات.
كان أكتر شيء مأثر فيهم هو وجود (النابالم المحرم دوليا) كان في كل نقطة خزان له محبس لنزول الزيت أو الفوسفات على الماء واشتعال القناة في أي وقت، وشاف ولادنا بعنيهم مناورة اسرائيلية قاموا بتنفيذها فى الدفرسوار.. وكانوا بيكلموهم من خلال مكبرات الصوت بطريقة استفزازية قائلين بالعربية العامية " اللى هينزل الميه هيتشوى زى السمك" و كانت القناة فعلا مشتعله فى منظر مهيب يبث الرعب في القلوب .. لكن على مين .. دا أنا ولادي أبطال.
كانت قوات العدو بتعمل دورية يومية على الضفة الشرقية للقناة عبارة عن عربيتين وطيارة فوقهم للحماية، وبيتعمدوا طبعا يستفزوا أولادنا وخصوصا إن المسافة بينهم كانت حوالى 130 متر فقط لا غير، والدوريات دي كانت بتحاول وبتتعمد تستفز أولادنا لدرجة إنه كان فيه سب وشتم وكلام قبيح، وأولادنا عندهم أوامر بعدم التلاحم.. أو الرد ..
لغاية ما في يوم كان فيه عسكري اسمه "توفيق الشافعي" من المنصورة، خريج تربية رياضية وكان راجع من أجازة خطوبته، راجع لزمايله ومعاه الجاتوه وصور الخطوبة وكان فرحان قوي.. وشايل الجاتوه معاه من المنصورة لغاية الوحدة.. وهو واقف معاهم، وبيتكلم مع بطلنا يسري عمارة انهال عليهم ضرب عشوائي من رشاشات العدو...
وسقط العريس "توفيق الشافعي" شهيد.
اتأثر يسري وزمايله قوي، وقرر حكمدار الطاقم وهو عريف من محافظة المنيا اسمه "حماية طونيغاسوس" قرر إنه ياخد بتار الشهيد، و قام بنصب رشاش مخصص لضرب الطيران فى اتجاه ضرب أرضى.. واستخبى في مكان يسمح له بكشف تحرك الدورية الاسرائيلية وهى جايه من اتجاه الشمال، من ناحية بورسعيد، وفى طريقها للجنوب "اتجاه السويس" وكان وقت مرور الدورية يستغرق ما يزيد عن عشر دقائق، ودا إدى للعريف "حماية طونيغاسوس" الوقت الكافى و اللازم لفتح نيران مدفعة تجاه الدورية من بداية ظهورها ولغاية ما اختفت. ووصلتهم الأخبار من القيادة المصرية إن العريف"حماية" أوقع بالعدو خسائر كبيرة منعتهم يعدوا بالدورية تاني من الطريق دا.
وفى يوم حكالي يسري "بعد الأحداث دي لقيت القائد عندي في الكتيبة بيقولي عاوز أسير .. وقفت أدامه وكلي دهشة. أسير ؟! إحنا على الضفة الغربية ومكشوفين بدون ساتر .. دا لإن ما فيش ملاحة في القناة .. دا لما كانت الدرافيل والأسماك الكبيرة بتعدي في القناة وبتعمل صوت كبير فكانت النيران من الناحيتين بتنزل عليها زي المطر .. على أساس إن كل طرف بيعتقد إن الطرف التاني بيعدي القناة، نقوم إحنا نفكر نعدي ونجيب أسير؟! المهم.. نفذنا الأوامر بكل روح عاليه ورجوله، وعدى الرجالة وهجموا على دورية إسرائيلية ودمروها واتصلوا بينا إن معاهم أسير، ساعدناهم بسرعة في العودة قبل وصول الطيران الإسرائيلي اللى كان بيحاول يمنع وصول أسيرهم لإيدينا، وحصل بالفعل و وصلوا ومعاهم الأسير، وكان ضخم جدا، ولما فحصت أوراق ه لقيت اسمه " دان افيدان شمعون " وفضل تحت العلاج فى الأسر من 1969 حتى عام 1974 و كان هو فى أول دفعه لتبادل الأسرى وأول أسير يرجع إلى إسرائيل لقرابته من رئيسة الوزراء جولدا مائير و ظل يترقى فى إسرائيل حتى وصل الى رئيس جهاز الموساد.
وبكره .. أكمل لكم حكاية .. ابني البطل يسري عمارة.. وبطولته اللى دمر فيها الدبابات وأسر الضابط الإسرائيلي عساف ياجوري.
التعليقات