تُحدثنا الأم (مصر) بلغة بسيطة تعبر عن بعض مشاعرها، تحدثنا عن ابنها البطل الشهيد إبراهيم عبد التواب قائد ملحمة كبريت.. تقول:
كتير بيعتقد إن حرب أكتوبر انتهت في ساعات أو حتى في كام يوم.. لكن الحقيقة إن الاشتباكات فضلت مستمرة لغاية ما صدرت قرارات فض الاشتباك. وابني البطل إبراهيم عبدالتواب استشهد فى 14 يناير 1974 ، والحقيقة إننا ممكن نقول إن التاريخ العسكري لمختلف دول العالم لم يشهد ظروف اتحاصرت فيها قوة عسكرية فى ظروف مماثلة للي حصل فى منطقة كبريت..
تخيلوا معايا كدا .. حوالي 400 مقاتل مصري من أولادي الأبطال فضلوا متواجدين فى موقع مساحته كلها عن كيلومتر مربع وفى ظل ظروف بالغة القسوة، من انعدام الأكل والشرب والمَدَد تقريباً لمدة 134 يوم، ولم يستسلم مقاتل واحد، حصار شديد وجوع وعطش وشبه انقطاع وسائل التواصل السلكية واللاسلكية.. لكن دا يرجع لحاجة مهمة جدا.. وهي شخصية العقيد أركان حرب إبراهيم عبد التواب اللي قاد الرجال طوال فترة الحصار.
إبراهيم عبد التواب نموذج للإنسان المصري الهادئ البسيط قبل الحرب، لو قابلته تحس إنكم أصحاب من زمان، ولما تقرب منه أكتر .. عمرك ما تتخيل إن هو دا البطل اللى الكل هايشيد ببطولته في المستقبل.. بس عاوزه أقولكم حاجة.. إحنا المصريين كدا.. نبان عاديين وهادين .. لكن لما بتيجي اللحظة المناسبة .. بنتحول لأسود....
ودا اللى حصل في كبريت لما سجل إبراهيم عبد التواب أرقى ما يمكن أن نتصوره من معانى التضحية والصمود.. يوم ما اتحرك على رأس تشكيل من مشاة الأسطول، يوم سته أكتوبر .. اتحركوا لاقتحام منطقة البحيرات المرة.. كان التشكيل مجهز بعتاد خاص بحيث يتلاءم مع ظروف المنطقة اللي رايحها، وتم اقتحام نقطة كبريت القوية الواقعة شرق البحيرات المُرة والسيطرة عليها من تحت إيد العدو فى تمام الساعة أربعه ونص بعد ظهر سته أكتوبر، يعني بعد نصف ساعة من بدء الهجوم عليها.
طيب .. هل وحدات المهندسين كانوا كملوا تطهير المناطق المحيطة بالمنطقة دي ؟
لأه.. ما لحقوش .. لكن جسارة ولادنا الرجال المهاجمين خلتهم يهجموا ويقتحموا وما ينتظروش إتمام تطهير المناطق المحيطة والمليانه بالألغام والأسلاك الشائكة، اقتحموا حقول الألغام بمركباتهم وأجسادهم.. وطبعا دا عمل عسكري تخطى كل الحسابات التقليدية فى عالم الحروب..
والجرأة والجسارة والقوة والإيمان بالله وبالوطن وبالنصر خلى مقاومة العدو اللى مستقر في المكان دا من سنين تنعدم .. تنتهي في دقايق.. واستولى أبطالنا على النقطة دي في نص ساعة فقط لا غير .. وهي نقطة قوية فى منطقة كبريت شرق، وكانت بتمثل إحدى النقط القوية التى بيتشكل منها فى مجموعها خط بارليف، ولكنها ما كانتش نقطة استراتيجية أساسية زي نقطة لسان بور توفيق أو النقط الواقعة فى مواجهة القنطرة، أو نقط الشط أو نقطة الكيلو عشرة جنوب بورسعيد، ودا لأن النقطة دي واقعة على البحيرات المرة، يعني مساحة مائية واسعة، والعدو طبعا ما حطش فى حساباته إمكانية عبور القوات المسلحة المصرية لها، لكنه كان ممكن يستخدمها في الحرب ويحولها لمنطقة نفوذ لو ما تمش اقتحامها.
وخلال الأيام اللي بعد سته أكتوبر قام التشكيل اللي بيقوده إبراهيم عبد التواب بواجباته القتالية، لغاية يوم 16 أكتوبر.. يعني عشر أيام وبعدها بدأ العدو يبذل جهود عسكرية فى محاولة اختراق صفوف قواتنا والعبور للضفة الغربية للقناة، وفى التوقيت دا يشترك البطل مع زملائه فى صد هجمات العدو المتتالية ويشارك معاه زميله "محمد أمين مقلد"، قام الأبطال الاتنين بقيادة جميع الهجمات اللي تمت ضد قوات العدو وتجمعاته فى المنطقة.
يوم 22 أكتوبر.. فى الليلة دي اتجمع عدد كبير من المقاتلين فى نقطة كبريت القوية، وأشرف إبراهيم عبد التواب ومحمد أمين مقلد على توزيع الرجال حول النقطة القوية اللي استولوا عليها يوم 6 أكتوبر أول أيام الحرب ، وزعوا الرجال حسب خطة موضوعة حوالين النقطة في أماكن متفرقة وما سابوش ولا جندي يحتمى بداخلها لأنها هاتكون هدف رئيسي لطيران العدو ودا اللى حصل بالفعل ..
فى مساء اليوم دا شن العدو هجوم كبير بعد تحضيرات قوية من المدفعية وقصف طيران متواصل من الساعة 4 لغاية الساعة 6 مساء. وبعدها شن هجوم كبير بأربعين دبابة وحوالى 22 عربة مدرعة نصف جنزير، لكن قواتنا تصدت لهم وتم تدمير الهجوم المعادي، واحترقت 12 دبابة وعربة نصف جنزير وظلت هذه الخسائر موجودة حتى انسحاب العدو من حول موقع كبريت .
في ليلة 22 أكتوبر 73 أصيب البطل محمد أمين على مقلد، فى راسه، وطلب منه إبراهيم عبدالتواب وباقي القيادات إنه يرجع للخطوط الخلفية.. لكنه ربط راسه ورفض يسيب مكانه .. وتاني يوم .. يعني يوم 23 أكتوبر بدأ العدو في ضرب النار وقصف المنطقة من الساعة تسعه صباحا لغاية غروب الشمس .. قصف جوى مكثف بمعدل 4 طائرات فى كل طلعة بفاصل زمنى بين كل طلعة والتانية خمس دقائق بس...القصف كان بيركز على مداخل النقطة القوية وعلى الدبابات والقطع المدرعة المتبقية مع أولادنا .. وكان القصف بواسطة قنابل .. وزن القنبلة الواحدة منها ألف وألفين رطل .. ودي قنابل يعجز الخيال عن تصور مدى قدرتها على التدمير بالإضافة لبشاعة انفجارها وضخامة شظاياها وقوتها التدميرية وقدرة التفريغ الناتج عن انفجارها.
فى اليوم دا كان قد تم توزيع الرجال حول نقطة كبريت، ثم تحديد موقع لكل جندى. والتوزيع دا تم بنظام قال عليه واحد من البطال اللى عاشوا الملحمة دي في كبريت "تم فى اليوم دا وضع أساس الصمود فى الموقع.. وهو النظام اللى فضلنا ماشيين عليه لغاية انسحاب القوات الإسرائيلية" وفى ليلة 23 أكتوبر 1973 استشهد المقدم محمد أمين على مقلد ، ومن لحظتها تولى العقيد أركان حرب إبراهيم عبد التواب قيادة موقع كبريت، وهو التوقيت اللى كان الحصار الطويل بيبدأ فيه بالفعل..
انقطعت الاتصالات اللاسلكية، وتم تدمير جزء كبير من معدات الإشارة نتيجة القصف الشديد يوم 23 أكتوبر، وفى نفس اليوم استشهد الرائد "نور" المسئول عن اتصالات الموقع السلكية واللاسلكية .يعني أولادنا فقدوا المعدات وفقدوا العقل اللى ممكن يصلحها أو يستبدلها.. ومش بس كدا .. لا .. دا العدو يوم 24 أكتوبر استأنف غاراته الجوية وقصف المدفعية.
لكن ولادنا الأبطال كانوا بيتصدوا للعدو وبيردوا هجماته، وكان ابني البطل إبراهيم عبد التواب بيستغل كل ثانية يقدر يتحرك فيها عشان يدعم دفاعات الموقع من حفر خنادق، وتنظيم دفاعات، وتوزيع الرجال وتقسيمهم فى مجموعات.
وفى صباح يوم 25 أكتوبر دفع بدورية مسلحة مشيت بحذاء الطريق الساحلي للبحيرات المُرة، ودا بهدف تحقيق اتصال بقيادة الجيش الثالث وبعد مسيرة 7 كيلومترات ..... (تكرر في تعب) وبعد مسيرة 7 كيلو .. معلش .. ممكن تسامحوني عشان تعبت .. وأوعدكم إني هاكمل لكم حكاية ابني البطل إبراهيم عبد التواب.
التعليقات