لم يكتفِ قابيل قاسي القلب أعمى البصر والبصيرة، بقتل أخيه؛ ولم يدر بخلده ولو للحظة أن هابيل هو أخوه الأصغر الورع الطيب المخلص الصادق البريء، بل مازال هذا القابيل مستمرًا في القتل، متعطشًا ومتلذذًا بشرب دماء الأطفال والنساء والشيوخ..
عفوًا سيدي القارئ؛ أعلم أن قابيل بن سيدنا وأبينا آدم قد مات، ولن يعود إلى الدنيا مرة أخرى، ولكن كما يقول المثل الشعبي «إللي خلف مامتش»؛ فقابيل هذا العصر هو حكومات معظم الدول الغربية، وليس شعوبها، ويأتي على رأس تلك الحكومات بريطانيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا.
وقد يسأل سائل: لماذا لم أذكر إسرائيل مع تلك الدول؟ وللإجابة أقول: لأن أي دولة تحكمها قوانينُ ودساتير ومواثيق دولية، ولكن إسرائيل هذه لا يحكمها شيء مما ذكرت آنفًا، وكأنها تعيش بمفردها في كوكب آخر.
أرجو ألا تظن سيدي القارئ أنني أقصد أن هذا الكائن الذي يدعى إسرائيل كائن قوي أو ما شابه ذلك لا سمح الله؛ فهذا الكائن هو مجرد ظل أي خيال لحكومات الدول العظمى التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية، التي تتحكم في كل ما يتعلق بالمعدة والعقل والغرائز، وقد نجحت تلك الصهيونية في زرع هذا الكائن السرطاني الغريب، الذي يدعى إسرائيل، في قلب الوطن العربي؛ ليحقق لهم ثلاثة أهداف لا رابع لها.
الهدف الأول: فصل المغرب العربي عن المشرق العربي.
الهدف الثاني: هدم وزعزعة وإجهاض أي نهضة تنموية أو صناعية أو زراعية أو تكنولوجية أو رياضية أو دينية أو حتى «مهلبية» في الوطن العربي.
أما الهدف الثالث فهو: أن يكون انتماء هذا الكائن السرطاني وولاؤه للغرب.
وذلك مقابل أن يمدوه بكل ما يحتاجه من حجر وبشر من الإبرة حتى الصاروخ، وإجهاض أي قرار لإدانته من قبل أن يولد، وحتى إن ولد هذا القرار فسيحكم عليه بالموت والتجميد الإكلينيكي.
وما شاهدناه أمس هو حلقة من حلقات الصهيونية الشيطانية لتقسيم وتفتيت أكبر الدول العربية في المنطقة العراق وسوريا ومصر، وقد نجحوا في تفتيت كل من العراق وسوريا ونهب ثرواتهما، ولكن ما لم يستطيعوا تفتيتها حتى هذه اللحظة فهي مصر، لأنها بحكم التاريخ والجغرافيا دولة غير قابلة للتفتيت أو التقسيم.
وما يحدث الآن في غزة هو محاولة تنفيذ تلك الخطة الشيطانية بتقسيم مصر، وذلك بتهجير سكان غزة إلى سيناء؛ وتلك أول حلقة في حلقات تقسيم مصر، وهذا لم ولن يحدث فلن يقبل مصري أو فلسطيني أن يفرط في حبة رمل من أرضه، وهيهات هيهات ذلك أن يحدث.
سيدي القارئ لست وحدي من يرى أن «إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة»، فتحت هذا العنوان نشرت صحيفة «هآرتس» العبرية مقالًا للكاتب الصهيوني الشهير (آري شبيت) يقول فيه:
«يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال.. ويبدو أننا اجتزنا نقطة اللا عودة، ويمكن أنه لم يعد بإمكان «إسرائيل» إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وتحقيق السلام، ويبدو أنه لم يعد بالإمكان إعادة إصلاح الصهيونية، وإنقاذ الديمقراطية وتقسيم الناس في هذه الدولة.. ويجب فعل ما اقترحه (روغل ألفر) قبل عامين، وهو مغادرة البلاد.. أضع أصبعي في عين نتنياهو وليبرمان والنازيين الجدد، لأوقظهم من هذيانهم الصهيوني، أن ترامب وكوشنير وبايدن وباراك أوباما وهيلاري كلينتون ليسوا هم الذين سينهون الاحتلال، وليست الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي هما اللذان سيوقفان الاستيطان.. القوة الوحيدة في العالم القادرة على إنقاذ «إسرائيل» من نفسها، هم «الإسرائيليون» أنفسهم، وذلك بابتداع لغة سياسية جديدة، تعترف بالواقع، وبأن الفلسطينيين متجذرون في هذه الأرض، وأحث على البحث عن الطريق الثالث من أجل البقاء على قيد الحياة هنا وعدم الموت.. إن «الإسرائيليين» منذ أن جاءوا إلى فلسطين، يدركون أنهم حصيلة كذبة ابتدعتها الحركة الصهيونية، استخدمت خلالها كل المكر في الشخصية اليهودية عبر التاريخ».
واستطرد «شبيت»، «من خلال استغلال ما سمي المحرقة على يد هتلر «الهولوكوست» وتضخيمها، استطاعت الحركة أن تقنع العالم بأن فلسطين هي «أرض الميعاد»، وأن الهيكل المزعوم موجود تحت المسجد الأقصى، وهكذا تحول الذئب إلى حمَل يرضع من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين والأوروبيين، حتى بات وحشاً نووياً».
ويختتم «شبيت» مقاله قائلًا: «إن لعنة الكذب هي التي تلاحق «الإسرائيليين»، ويومًا بعد يوم، تصفعهم على وجوههم بشكل سكين بيد مقدسي وخليلي ونابلسي، أو بحجر جمّاعيني أو سائق حافلة من يافا وحيفا وعكا.. ويدرك «الإسرائيليون» ألا مستقبل لهم في فلسطين، فهي ليست أرضًا بلا شعب كما كذبوا».
وختامًا.. أقول لكل قابيل هذا العصر كفاك يا ملعون قتلًا وتقتيلًا، فلن تحصد غير الحسرة والندامة.. وإن غدًا لناظره قريب!!
التعليقات