يحضرني في البدء موقف ساخر..
ذات يوم، وفى أثناء الفوضى التي تبعت يوم 28 يناير 2011، قال أحدهم إنه كان يعود ليلا وحده، وفى طريق مظلمة قرر أن يسير فيها وحده ليركب من المحطة الموجودة عند النهاية سيارة تعيده إلى منزله، وبعد قليل، فجأة يتوقف إلى جواره دراجة نارية (موتسيكل) عليها اثنان وقد أوقفاه في عنف، طلبوا منه أن يُخرج كل ما يملك. إنهم أشقياء، بلطجية بلغة يومها، "إنها حالة سطو"، يقول الشاب في نفسه وقد بدأ يشعر بالرعب، فأجابهم بكلمات متعثرة "إنه لا يملك أي شيء غير جنيهات قليلة سوف يركب بها مواصلة من أول الشارع ليعود إلى بيته، ولو ركب من هنا لاضطر لدفع مبلغ أكبر وهو لا يملكه، لذا قرر أن يمشي هذه المسافة على قدميه، هنا تأمله "البلطجي" بنظرة فاحصة وكأنه يتأكد من مصداقيته، ثم يبتسم ويطلب أن يركب خلفهم كي يقوم بتوصيله إلى أقرب مكان لموقف السيارات بدلا من أن يمشي وحده في الظلام هكذا..!!
أعتقد أن نظريات علم النفس تعجز عن تفسير هذا الموقف.
هذه الشخصية "المصرية" "لا كتالوج لها"، كما نقول عنها بلغة عامية متداولة وهذا ما أود الحديث عنه الآن.
حينما يبدأ الرهان على خلق جيل هش لا يستطيع تحمل المسؤولية، جيل يسقط أمام أول صرخة أو ضربة أو طلقة، جيل يهرول هاربًا.
وخلال سنوات يحاولون مع أبناء مجتمعنا.. في كل المجالات.. نشر أفكار هشة من أجل تسطيح أفكاره، والسعي لشغل الناشئة والشباب عن الدراسة بشتي الطرق، صناعة ألعاب دموية تبعدهم عن الواقع وتُقسي قلوبهم، مع محاولة تغيير أفكارهم لخلق صراعات أسرية وعدم احترام الكبير، وخلق روح الفردية، والقضاء على مشاعر الوطنية والانتماء، وإغواء الشباب بحلم الهجرة للمعيشة في جنة الغرب تاركين بلدهم ونيرانها. ثم تشويه صورة كل الأنظمة الحاكمة ونشر كل صور السلبيات والابتعاد عن أي إنجاز أو تطور.
باختصار بذلوا.. وأنفقوا كل ما يمتلكون من أجل القضاء على روح الشاب المصري المعروفة، وهى الروح التي يعلمونها جيدًا ويخشونها.
وخطتهم لم يتم تنفيذها في يوم أو في سنة.. بل عشرات السنين، نفذوها بصبر وأناة، حتى إذا ما كان هذا الجيل الذي قد تعول عليه البلاد ليحمل راية الدفاع عنها ضد أي عدوان خارجي، تأتي المرحلة الثانية.. فيكون العدوان بشكل مطمئن لأن الجيل المدافع (الذي صنعوه كما يعتقدوا) لن يستطيع مواجهتهم..!!
هنا نعود إلى كلماتي الأولى عن الشخصية المصرية التي لا كتالوج لها، و وفقا لأن الكتالوج بين يدهم يخبرهم أن أولادنا مجرد شخصيات كرتونية لاهية ماجنة لا انتماء لديها ولا وطنية يتحركون.
لكن .. لا كتالوج أيها السادة..
المصري، الشباب المصري، كل أبناء هذا الوطن، في لحظة يولدون من جديد وتذهب كل مخططات هدمهم سدى.
فأنتم لا تعلمون ماذا يوجد داخل الجينات المصرية وعشقها لكل ذرة من تراب وطنها وتبذل حياتها في سبيل الحفاظ عليها، منذ آلاف السنين وسنوحي المصري الذي ترك كل ما وصل إليه من مُلك ليعود ويدفن في ترابها.
هذا الجيل الذى راهنتم على فشله، أقول لكم بمنتهى القوة إن رهانكم خاسر، لأن الجينات المصرية قادرة على التحول في لحظة واحدة إذا ما ظهر مساس بأرضهم. يتحول الشباب العابث الذي يبدو عليه أنه يكره كل شيء حوله ويسعى للهجرة بأي شكل، سيتحول إلى مقاتل شرس.
وتعالوا لأحدثكم عن فتيات مصر..
أخذتني الصدفة لقراءة عدد من التعليقات على أحد الموضوعات المتعلقة بالأحداث الحالية وكانت ردود الفتيات مبهرة، وكأنك أمام فرقة صاعقة تتوعد العدو وهم يتوعدون العدو بأنه يسعى إلى مقبرته.
الحقيقة أن هذا الشباب الذي حمل راية النصر في حرب أكتوبر المجيدة، وللعلم هو لم يحارب في 67 وإنما كانت القرارات بالذهاب ثم شاهدوا الطيران وبعدها تصدر قرارات الانسحاب، ولم يحاربوا دقيقة واحدة. إنما كان الاختبار الأول لهم في حروب الاستنزاف ثم النصر في 73 ، هذا الشباب هو درع الوطن الحقيقي، فأنتم لا تعلمون ما يخفيه صمتهم، هؤلاء الشباب بعون الله وبمصاحبة إيمان لا يحتاج إلى دعاية كاذبة فهو راسخ وأصيل، يتحول إلى وحوش لا يستطيع التصدي لهم مقاتل مهما كان، ولم لا وهم خير أجناد الأرض.
فاحذروا غضبتهم.
التعليقات