لن تنظر في المرآة وترى نفس تفاصيل وجهك متشابهة كل يوم.
قدرتك أن تُصالح ظاهرك على باطنك، ما تغدقه ويتأخر حصولك عليه، ما تجود به وأنت على يقين أنك لن تتلقاه، ثمار أخلاقك، الصحبة الآمنة، فن جودة المعاشرة، مودة البقاء، جمال التواجد، شهية الحضور الطيب، وأن تَمْلك نفسك، أن تتقاسم المسرات والمرارات، كلها أشياء شبيهة بالسعادة.
لا أعرف أحدًا حصل على سعادة كاملة، الكل فقط يأخذ نصيبًا مكتوبًا من خيرها.
يبدو أن المتسبب الأكبر في شقائنا أننا نضع خطة مشروطة نتصور أنها تناسبنا للحصول على السعادة.
صديقي … أحيانًا سعادة الترك تلزمنا ثوب الحُسن وسنوات من العافية.
أؤمن أن حصولك على الأشياء لا يفضي بك إلى شخص سعيد، لكن حسن جوارك لتلك الأشياء هو ما يجعلك تشعر من خلالها بالسعادة.
السعادة ليست حظًا بل مقدرة؛ مقدرة على تحويل المتاح لمفتاح يفضي بك إلى شخص يدعو إلى السعادة ويرشد إليها فيبقى أثر عطرها بين يديك.
الصلة الخفية الخافتة بين الأشياء المتناغمة مع روحك هي الباطن المثمر الذي يرسم أطروحة السعادة داخل خلايا جسدك.
بحثت مطولا عن السعادة فوجدتها تنبع من الداخل، هي قرار تتخذه وقت أن تفتح عينيك في الصباح.
نحن لا نسعد بحصولنا على الأشياء لكن عملنا الدؤوب على استخراج السعادة منها والاكتفاء بها هو أحد أهم مسببات السعادة.
أن تترك لساعات كل ما يؤرق قلبك كما تزيل عنك غطاء النوم، أن تذهب لروتينك اليومي وأنت تستشعر ما به من نِعَم، أن تحتسي كوب قهوتك على مهل، أن تتذوق إفطارك ولا تبتلعه، أن تؤدي كل خطوات يومك وأنت شاكر لله.
أن تتحول لشخص مُبْهِج، أن تتعلم نثر المحبة، أن توزع البهجة والسعادة على كائنات الأرض، أن تستقبل الجمال من حولك ولا تتناساه، أن تتوقف عن سحق روحك وتُأَمِّن احتياجاتك، أن يكون الله من وراء مقصدك، أن تُبقي قلبك على موجة المودة وعقلك على تردد التغافل وأن يقطر قلبك بالحسن فيفيض على من حولك … أنت بذلك شخص مستجلب للسعادة.
السعادة هي الكلمة التي تخرج من فاه صادق إلى قلب متعطش، اليد الحنونة التي تربت بها على كتف المتعبين، الطعام الذي تعده بحب فلا يتبقى منه شيء، الكلمة التي تقال في موضعها، السند الذي لا يميل، والروح التي لا تنحني.
أقوى حضور لك وأنت تتحدث عن مدينة مليئة بالأمل عن غد أفضل عن محاسن من تُحب ونقاط قوته، أنت تحيا عندما تكون السبب المقنع لشخص أراد العبور وكنت أنت اليد الممدودة لنجدته.
كل ما يقوض بغضاء روحك يوقظ بداخلك سنوات من السعادة، كل المرات التي تمسكت فيها بكلمتك، كل الأوقات التي كان يفترض بك أن تقول فيها لا ولم تفعل، كل سنوات اليأس والضجر، كل أشهر الألم والقلق منزوعة الأمان، كل تراكمات الصبر وعمرًا أفنيته في انتظار صدفة لقائك بأمنياتك، كل ما أوجعك وتركته من خلفك، وكل تلك الطعنات والسحجات التي بدلت ملمس قلبك … كلها يا صديقي السبيل لأشياء شبيهة بالسعادة.
مقدمات السعادة تلك تأتيك بقوة بعد ضعف، بعد أن تُحَول الهزيمة إلى انتصار، بعد أن تتجاوز الفقد والتيه والخسران، بعد أن تغلق باب قلبك على بضع رفقاء، وبعد أن يمر الوقت وتدرك أنك نجوت.
بداخلك كل السعادات التي تتمناها إنما تحتاج وقت للصقل وإظهار البريق وهذا لعمرك لن يكون يسيرا.
نحن دومُا نركن لمواطن القوة بداخلنا ولم يكن يليق بمقامك سوى سنوات من الركض تتعلم من خلالها فن استعمار حقول السعادة.
إذا وجدت شخص مترف الروح كن على يقين أنه دفع ثمن مستحق يليق بذلك الرَخَاء. هذا الترف كلفه سنوات سحقت فيها روحه حتى ظن باستحالة بلوغ مرفأه.
الأمر كله يا صديقي يعتمد على يقين عَطِش للماء ترويه يوميا من روحك. يقين يجعلك على مدار العمر تتعلق بأشياء ثمينة شبيهة بالسعادة هي كل ما يمكنك الحصول عليه في دنيتك.
ثمة تكاليف عليك أن تدفعها كل يوم لا يراها أحد، تدفعها من روحك وصبرك وجُودك وحسن جوارك لأحبابك.
السعادة تقوم على فن الانتظار، وحدها الأدنى يأتيك بالحد الأقصى من القناعة لكن يا صديقي لن يكون لك الحق في استهلاك السعادة دون أن يكون لك يدًا في إنتاجها.
وقد يكون الباب الذي نسيته مفتوح سهوا أفضل مدخلات السعادة.
نحن عطشى للسعادة، وعن يقين سيأتي يوم يفنى فيه شقائك وتأتي عطاءاتك التي نسيتها باحثة عنك لتُعًرِفَك طريقا للسعادة لم تكن تؤمن بوجوده ولا بأنك سترزق كِفْل منها.
ابذل ما استطعت وانتظر مَنْفَعَة لا تنضب وحظ مشرق لا يخيب أبدًا.
التعليقات