لم تكن أرض مصر يوما خالية من السكان فعندما عرف الإنسان حياة الكهوف والصحاري في العصر الحجري القديم عاشها على أرض مصر، وعندما قلت الأمطار وساد القحط نزل إلى وادي النيل ليجد له مستقرا ومصدرا آخر لمتطلباته كإنسان فلن يحيا باستنشاق الهواء فقط، عرف النيل وموعد فيضانه فعرف الزراعة ومن مخلفاته بنى بيوتا يسكنها، أي وفرت له المسكن والمأكل والمشرب والملبس إذا أراد، فعرف الاستقرار وترك حياة القطيع، فبدأ في التفكير من أجل البناء والتعمير طبقا للفطرة التي خلقه الله عليها، البحث عن الطعام والسكن أولا ثم يأتي البناء والتعمير، فعرف التجارة قبل معرفة المال، عرف الغرض منها وليس المطمع، فالغرض من التجارة هو توفير الاحتياجات بطريقة انتفاعية متبادلة بين شخصين، فعندك ما يلزمني وعندي ما يلزمك.
فبعد أن اطمئن على أساسيات حياته، ذهب بعقله إلى أبعد من ذلك، فعرف الكتابة والفنون، وبالدراسة والتجربة عرف العلوم على اختلافها الطب والفلك والهندسة والبناء وغيرها من العلوم التي وجدها المصري القديم من متطلبات الحياة الواجب عليه البحث فيها، بحث في طبيعة الإنسان وتركيبه ومصدره، بحث في الكون وعن خالقه، عرف الديانات والعبادات وعرف التوحيد أيضا، ليصل به الأمر إلى بناء واحدة من أعرق وأهم الحضارات على مر التاريخ الحضارة الفرعونية القديمة، عاش المصريون في عصر ازدهار إبان تلك الفترة في حين إدراكهم أن لا وجود لحياة على الأرض غيرهم إلا في مكان واحد أو اثنين على الأكثر حيث يُقال أن مهد الحضارات كانت حضارة بلاد ما بين النهرين في العراق.
ومنذ ذلك الحين ومصر هي المطمع الأول والأخير لأي عقل استعماري ولكل دولة استعمارية ترغب في توسيع حدودها فتقع عينها على مصر راغبة قاصدة، مرت مصر بالعديد من المراحل الصعب منها والملفت، تعرضت مصر للغزو لأول مرة في تاريخها على يد الفرس، واستمرت سيادتهم عليها إلى أن أطاح بهم الإسكندر الأكبر، ليأخذها أحد كبار قادته إرثا وهو بطليموس الأول ليؤسس دولة البطالمة، ثم طمعت الإمبراطورية الرومانية بضمها، لتقتنصها بمعركة أكتيوم البحرية الشهيرة، لنذهب إلى مرحلة منافسة الرومان والفرس على مصر لينتصر الفرس في جولة ويليها انتصار الروم في جولة أخرى في عصر عانى فيه المصريون بقدر ما عانوا وخاصة المسيحيين الذين تعرضوا إلى أقسى أنواع الاضطهاد والتعذيب فكانوا يفرون إلى الصحاري والكهوف خوفا من الإمبراطور الظالم، حتى مجيء الإمبراطور قسطنطين أول إمبراطور روماني يعتنق المسيحية على فراش الموت بعد حياة تملؤها الوثنية مع اعترافه بالديانة المسيحية ووجودها في الإمبراطورية الرومانية ووقف كافة أساليب الاضطهاد والتعذيب ضد المسيحيين.
لينتهي العصر البيزنطي مع دخول الإسلام إلى مصر على يد عمرو بن العاص عام 641 ميلاديا، لتتعاقب على مصر دول تأسست على أرضها ودول طمعت في ضمها إليها ونجحت في تحقيق مرادها.
وللحديث بقية.
التعليقات