لا يزال أدب الأطفال مهمَّشًا في معظم الدول العربية، وينظر إليه على اعتبار أنه أدب من الدرجة الثانية أو الثالثة، مثله في ذلك مثل الرواية البوليسية، ومن هنا فإن المواكبة النقدية لهذا الأدب تكاد تكون معدومة إلا من بعض الدراسات والرسائل العلمية القليلة جدا للحصول على درجة الماجستير. أما النقد العام فهو بعيد جدا عن هذا المجال.
ولعل السبب في غياب ذلك هو قلة المنابر الإعلامية المخصصة لأدب الأطفال وثقافتهم بعامة، سواء في مجال الصحافة من جرائد ومجلات أو القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية الجيدة.
وقد لاحظت أن مجلات الأطفال – على قلتها – مغلقة على أسماء معينة، سواء من هيئة التحرير أو الكتاب الخارجيين، ولا أريد أن أقول إن هناك شللا معينة لدى كل مجلة، ولكن أقول إن تلك المجموعات لا تريد لأحد أن يقتحمها ويغير مفاهيمها الثابتة حول كتابات قد يكون عفى عليه الزمن.
ومن هنا يقع العبء أيضا على كتَّاب الأطفال أنفسهم، الذين يعتمد معظمهم على قصص معادة وحكايات مكررة سواء من قصص التراث – وبخاصة من ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وحكايات جحا وغيرها - أو القصص العصرية، دون تقديم اللمحة الجديدة الطريقة والذكية لطفل اليوم الذي يختلف تماما عن طفل الأمس.
وقد حاولتُ أن ألج العالم النقدي لما يكتب للأطفال في عالم الشعر على وجه الخصوص، فوضعت كتابي "جماليات النص الشعري للأطفال" وفيه دراسات لأكثر من 25 ديوانا للأطفال على مستوى الوطن العربي، أعقبته بمعجم شعراء الطفولة في الوطن العربي خلال القرن العشرين، ثم كتاب تكنولوجيا أدب الأطفال، فكتاب أدب الأطفال في الوطن العربي قضايا وآراء. وهي محاولات متواضعة مني لتحريك الراكد في هذا المجال الحيوي. هذا عدا مؤلفاتي الإبداعية للأطفال ومنها المجموعات الشعرية: "أشجار الشارع أخواتي" و"حديث الشمس والقمر" و"طائرة ومدينة" و"آلاء والبحر" و"دوائر الحياة" و"أحب الحياة" و"أنا وهنا"، إلى جانب مؤلفات أخرى نثرية مثل: "عائلة الأحجار" و"حوار مع ملكة الفواكه" و"هل أنا كنت طفلا" وغيرها.
على نحو آخر أرى أنه لا بد من عودة حصص الدراسة الحرة في المدارس، وحصص المكتبة والقراءة والموسيقي والرياضة (الألعاب) والرسم والخط والتمثيل وغير ذلك من الأنشطة اللاصفية التي ربما يجد الطفل نفسه فيها أكثر من حصص المقررات الدراسية من عربي وحساب وعلوم وغيرها. كنت – أنا وزملائي في الصغر – ننتظر بشغف مثل تلك الأنشطة لنُخرج فيها طاقاتنا ونكتشف قدراتنا وما نحبه.
ربما بعض هذه الأنشطة تكون موجودة في الكثير من المدارس الآن، ولكنها غير مفعّلة ولا تجذب الطفل الذي قد يُخرج طاقته في أماكن أخرى ولدى زملاء أو أصدقاء آخرين في الشارع والنادي.
ولكن من ناحية أخرى هناك مراكز الشباب التي تستطيع ان تستوعب أنشطة الأطفال والشباب في جميع المجالات، وقد لمستُ ذلك بنفسي في مركز شباب الأنفوشي بالإسكندرية على سبيل المثال، وقد شاركتُ في أكثر من ورشة عمل مع الأطفال، فأسمعتهم شعرا مكتوبا لهم، واستمعت الى تجاربهم الغضة في مجال الأدب، واكشتفت عددا موهوبا منهم يستطيع أن يعبر عن نفسه كتابةً، وهناك من يجيد الإلقاء وهناك من يجيد التمثيل والرسم والعزف والغناء .. الخ.
إن الطفل يملك طاقة كبرى يجب أن توجه في الاتجاه الصحيح، ولن يتم ذلك إلا عن طريق أشخاص محبوبين للطفل نفسه يستطيع أن يتحدثهم معهم ويرتاح لهم ويستجيب لتعليماتهم غير المباشرة، سواء كان هؤلاء الأشخاص المحبوبون من الأسرة كالأب والأم والأخوة والأخوات، أو المدرس أو المدرسة، أو المدرب والمدربة، أو حتى من الأقارب والجيران.
ولي تجربة في التعامل مع أدب وثقافة الطفل بوجه عام من خلال عملي السابق في مجلة "العربي الصغير" وكنت من خلالها اقرأ وأصافح نبضات الأطفال العرب من خلال رسائلهم وتعليقاتهم وروسوماتهم وقطعهم الأدبية الجميلة البريئة.
غير أنني أعود إلى النوادي الثقافية والرياضية، فعندنا في مصر قصور الثقافة بها أنشطة متعددة للطفل والشاب، وبعضها مفعَّل ومعروف، والبعض الآخر مهجور ولا يتوجه له أحد، لمشاكل إدارية أو مالية أو تخطيطية.
أما النوادي الرياضية فهذه لفئات معينة وليست مفتوحة للجميع مثل نوادي الشباب وقصور الثقافة، فهي للصفوة من أبناء المجتمع أو لمن يستطيع أن يدفع رسوم عضويتها واشتراكاتها السنوية باهظة التكلفة، والمفروض أن يكون بها أنشطة مماثلة بل أكثر، مثل حمامات السباحة التي يتدرب فيها الطفل والشاب على رياضة السباحة والعوم، وبطببيعة الحال مثل هذا النشاط غير موجود في أندية الشباب وقصور الثقافة، وربما تكون الأنشطة الفنية الأخرى بتلك النوادي الرياضية أعلى في مستواها بحكم أن هناك مبالغ معينة تدفع مقابل التعلم أو الاشتراك خلافا لرسم العضوية والاشتراك العام.
ولكننا قد نجد موهبة واعدة ما في الغناء أو التمثيل أو الأدب والموسيقى أو الرسم والتشكيل، تخرج من أندية الشباب أو من قصور الثقافة لا نجد لها مثيلا في النوادي الرياضية، فالمواهب الحقيقية لا تعترف بالأماكن الكبيرة أو الصغيرة، ولكنها تنبت في أي مكان صالح للإنبات.
واعتقد أن على المسئولين عن النشء في بلادنا سواء في التربية والتعليم أو في وزارة الثقافة أو الشباب أو الاعلام، الاهتمام بهذه الجوانب التي ذكرتها سابقا، حتى لا يتجه هؤلاء الأطفال إلى أماكن أخرى إما تكون داعشية أو أوكارًا للجنس والمخدرات.
التعليقات