قدرتك على حَجْب الهموم بداخلك ليست كل عملك المُحْتَرَم، ما ستُذكر به حقًا هو قدرتك على التعامل بصبر مع كل معضلاتك. أما شرفك الحقيقي يكمن في أن تظل وسط كل ما سبق إنسان.
إنها لعافية أن تبقى هذا المليح الذي يتحمل في صمت، أن تبدو في نعماء لا تنقطع لكل من يراك، وأن تظل تحت مظلة ستر العافية كأنك لم تحزن يومًا.
لا شيء يعادل أن تبدو بخير، وأن تُصِرّ على أن تفعل ذلك طوال العمر حتى تصير فعلا بخير …
هذا الهدوء الذي تبدو عليه ورائه عضلات من الصبر، عمرًا أفنيته في سنوات التخطي.
قدرتك على تحويل هذا القلب إلى كائن قادر التخلي والتخطي، سنوات الوهن التي ظننت أنها لن تمر، كل المرات التي تمسكت فيها وافلتت الأيادي من حولك.
كل تلك الطعنات والسحجات التي خشنت ملمس القلب، سنوات العجز واليأس والرجاء … كل ما سبق تَجَاوَزته باقتدار.
أعْلَم عن يقين أنك كنت تتحمل فوق طاقتك، أنك ظننت أن العُسر لا يمر، أن هذا القلب خَبَت ابتسامته، أن درب السعادة انتقل لمجرة تبعد عن قلبك ملايين السنوات الضوئية، وأنك ظننت أن ما باليد حيلة.
كلا يا صديقي!
بالقطع باليد كل الحيّل. بيدك قوة التجالد، كل أبواب الطَرْق، وأن تصْطَبر حتى يتعجب منك كائن الصبر الذي يسكنك.
كيف للمرء أن يبدو بتلك الوداعة والشجاعة وداخله تستعر نيران من الحروب؟ كيف تظل رابط الجأش مقبول المتون صالح للشدائد؟ كيف تبدو بشجاعة وورع إمام المسجد وصاحب الكنيسة والمعبد؟ وكيف تصير قائد الكتيبة التي ما فتئت بها تعمل؟
أعلم أنها قسوة على تلك الروح التي تسكنك، لكن كان من المحال أن تؤمن بأن تلك الروح الشامخة لن يستغرق بناءها عمرك بأكمله.
توقف عقارب الساعة في بيتك، لا يعني أن الحياة توقفت من أجلك، بل يعني أنك توقفت أنت ونفسك عن تعاطي تلك الحياة.
ونعم يا صديقي، للعيش إدمان يصيبك بشَرَه يحرمك حلو الدنيا وأجر العافية فيها.
أنت ونفسك وجهان لنفس العملة، ربما هناك من يدمن على القراءة وآخر تعِس لا يجيد سوى التعرف على الصور، كان ولابد أن يستدل على قلبك بالطريقتين …
هنا للأسف ما باليد حيلة، فلن تستطيع أن تقنع أحمق ما أن يراك كما تعرف نفسك.
إن الدَفْعَة الوحيدة التي تتلقاها للأمام هي تلك اللحظة الفارقة التي تود فيها أن تتوقف وتركن لليأس ولكنك لم تستسلم أو ساقك من يحبك ألا تفعل.
اللحظة التي التحفت فيها بنفسك وضممتها بين راحتيك دافعًا إياها بقوة وثبات في ذات الاتجاه الذي أنت مُكْرَه عليه.
تلك هي اللحظة الوحيدة التي تجبرك أن تتغير ثم تتغير بالفعل وتتذوق مرارة التغيير لكنك تستمر في التجديف لعلك تنجو …
ثم ها أنت تنجو!
كم نعاني جميعًا نوبات الشوق لأيام كان فيها القلب خالٍ.
نتمنى أن تَمُن علينا دنيتنا بمرفأ الأمان الذي يليق بسنوات كفاحنا الحثيث … أن ينتهي طريق السير الطويل إلى محطة آمنة للوصول وأن يكون مجلسنا وثير يحترم آدميتنا والنتوءات التي برزت من كد عظامنا ... أن نتعرف على المسرات ولا نحرم الإحساس بدفئها عندما تأتي، وأن يُخْتَزَل زمن الحزن والخذلان في تلك الذكريات التي نتحسسها عندما تتلامس أيدينا مع تلك النتوءات على سطح قلوبنا.
عزيزي، سيظل المجد كل المجد لمكتسباتك التي أضْحَيت بها هذا الجميل الذي أتحدث عنه اليوم.
أشرس معاركك تلك التي علمتك أن تنتصر إلى الجانب المضيء الحنون بداخلك على ظلمة القلب الأسود.
عندما تحفظ الدرس عن ظهر قلب وتجيد فن الاستغفار عن كل يوم قطعته في الإتجاه الخاطيء ثم تجعل بقاءك مرهونًا بأن يظل الطريق واضحًا آمنًا لكل من خلفك … ينتهي بك العمر وأنت مطمئن!
وأنت على هذا الطريق توقف لكل من ساند خطاك، من كان دؤوب ليُقيمك عندما تعثرت، من ناولك سلاحك الذي سقط عنك، ومن وقف يصفق لك بحرارة عندما أحرزت انتصاراتك.
هؤلاء المحبون الذين اختاروا سكنى المودة والرحمة، تشاركوك فرحتك وحصتك الكاملة من الوحدة والحزن. لم يجوروا وإن جارت الدنيا ولم تلهج ألسنتهم سوى بالأمل والدعم والدعاء.
سكان القلوب الآمنة الذين مهدوا لك الطريق وقت أن نسيت من كنت .. ومن كنت تود أن تصبح .. وكيف إنويت أن تدحر رصيد الضُر الذي أطفأ وهج قلبك.
هم تلك الدعائم المسلحة خلقت لتبقى على مر الزمان، لقد مات قدماء المصريين وبقيت آثارهم تتحدث عنهم.
لا شيء طيب ينتهي أثره، وبقدر ما رُسِّخ بنيانك يظل تلك القيمة المضافة التي تُبقي قلبك رَطِبًا بأنك أفنيت هذا العمر في شيء ما يستحق.
التعليقات