العلاقات الأسرية هي أسمي وأقدس العلاقات على وجه الأرض؛ تبدأ بذرتها بين فردين بالزواج ثم أفراد بالإنجاب؛ وتمتد لتشمل الأقارب والأصهار من الطرفين أنها كالشجرة التي تمتد أوراقها ليستظل بها المجتمع؛ وكلما ازدادت أوراقها وتشابكت أغصانها كلما كانت الحضن الدافئ؛ والحصن الأمين لكل من يأوي إليها.
والانحراف من المنظور الاجتماعي هو السلوك المخالف لما ترتضيه الأسرة؛ والانحراف عن المعايير الاجتماعية السائدة في المجتمع .
والانحراف في علم الاجتماع هو وصف للأفعال أو السلوكيات التي تخرق أو تنتهك المعايير الاجتماعية، بما في ذلك القوانين المسنونة، مثل القيام بعمل إجرامي، أو الخروقات غير الرسمية، مثل رفض عادات وأعراف مجتمع ما.
ومن الصعوبة حصر الأسباب المؤدية لمشكلة الانحراف الاجتماعي؛ وذلك لكثرتها ولتداخل أكثر من سبب في نشأتها؛ في كثير من الأحيان
ومن أهم الأسباب الأب (الحاضر الغائب)؛ وهذا يتمثل في رب الأسرة الذي يقضى معظم وقته خارج المنزل وله صور متعددة من أهمها رجل الأعمال الغارق في عمله؛ بحيث يصرف معظم الوقت في متابعة تجارته ليلا ونهارا في لقاءات واجتماعات وسفريات وحفلات عامة؛ وخاصة وبهذا لا يجد وقتا لأسرته فتبدأ الزوجة بالتذمر والاستياء من هذا الغياب
وتشعر بأن الزوج الذي كانت تحلم بمشاركته لها احداث الحياة اليومية يتبخر يوما بعد يوم ؛ وايضا الزوج الذي ينشغل عن أسرته؛ بأصدقائه وجلساته معهم فهو ما أن يعود من عمله حتى يتناول وجبة الغداء ثم يرتاح قليلا ويمضي المساء كاملا مع الأصدقاء؛ ويحرم الزوجة والأولاد من الجلوس معه أو الخروج معه خارج المنزل .
الأم (الحاضرة الغائبة) يمكن أن نجد ما يقابله عند الزوجة المنصرفة عن مسؤولياتها الأسرية؛ بشواغل مختلفة نأخذ منها الأم المنشغلة بعملها عن أسرتها فلا يجد الزوج من زوجته العناية بشؤونه واحتياجاته
وهناك صورة أخرى للأم المنشغلة عن مسؤولياتها الأسرية بكثرة لقاءات الصديقات؛ والخروج المستمر إلي الأسواق لحاجة ولغير حاجة مما يحرم الزوج والأولاد من متابعة هذه الأم ؛وعدم قيامها بواجباتها الزوجية بالشكل المطلوب منها .
ويترتب على هذا حصول النزاعات المتكررة؛ على كل صغيرة وكبيرة في أمور الحياة؛ الزوجية مما يمهد الطريق لحصول التفكك الأسري في هذه الأسرة .
وتعتبر وسائل الاتصال الحديثة سببا من أسباب الانحراف الاجتماعي في المجتمعات المعاصرة؛ على الرغم مما يمكن أن يكون لها من ايجابيات حيث أفرط الأفراد في التعامل معها فبدلا من أن يقضي معها جزء من وقت الفراغ؛ أخذت كثيراً من أوقات الأفراد مما اخل بواجباتهم الأخرى نحو أسرهم .
وكثيرا ما يكون للوضع الاقتصادي للأسرة دور كبير؛ في تصدعها في كلا الطرفين الغني والفقر؛ وان كان الثاني هو الأكثر ففي حالة الغني نجد بعض الأغنياء ينشغلون بالمال عن أسرهم.
وفي حال الفقر لا يستطيع الأب توفير احتياجات أسرته مع كبرها وقلة تعليمه فيعجز عن الاستجابة لمتطلباتها فيقع في الحرام للحصول على المال؛ أو يدفع بعض أفراد أسرته لمسالك السوء للحصول على مزيد من المال فيكون النتاج تفكك تلك الأسرة.
أول ضحايا التفكك الأسري هم أفراد الأسرة المفككة؛ فالزوج والزوجة يواجهان مشكلات كثيرة تترتب على تفكك أسرتهما؛ فيصابان بالإحباط وخيبة الأمل؛ وهبوط في عوامل التوافق والصحة النفسية؛ والاثار الأكثر خطورة هي تلك المترتبة على أولاد الأسرة المتفككة.
خصوصا إن كانوا صغار السن فأول المشكلات التي تواجههم فقدان المأوي الذي كان يجمع شمل الأسرة.
وهنا سوف يحدث التشتت ؛حيث يعيش الأولاد أو بعضهم مع احد الوالدين والبعض الآخر مع الوالد الآخر.
وينتج عن التفكك الأسري اضطرابات وتحلل في علاقات الزوجين بالآخرين خصوصاً الأقارب؛ فإن كانت هناك علاقة قرابة بين أسرتي الزوجين فإنه غالبا ؛وللأسف تتأثر سلبيا بما يحدث للزوجين فتحدث القطيعه بين الأسرتين.
ويؤدي التفكك الأسري في بعض الأحيان إلي تهيئة الظروف لانحراف أفراد الأسرة؛ خصوصا الأولاد من البنين والبنات فعندما تتفكك الأسرة؛ ويتشتت شملها ينتج عن ذلك شعور لدى أفرادها بعدم الأمان الاجتماعي وضعف القدرة لدى الفرد على مواجهة المشكلات .
ومن أثار التفكك على قيم المجتمع وثقافته؛ يحدث اختلالا في كثير من القيم التي يسعى المجتمع لترسيخها في أذهان وسلوكيات أفراده مثل الترابط والتراحم والتعاون والمسامحة ومساعدة المحتاج؛ ولوقوف معه في حالات الشدة وغيرها من القيم الايجابية المهمة في تماسك المجتمع واستمراره.
ويمثل سلوك غير المتوافقين تحديا لشرعية المعايير الاجتماعية؛ التي يعارضونها ويرفضونها.
ويسعى غير المتوافقين إلي تحقيق هدف أساسي يتمثل في تغيير المعايير الاجتماعية القائمة وإحلال معايير أخرى محلها يرون أنها أفضل من المعايير القائمة في حين أن المنحرفين لا يشغلهم سوي كيفية الهروب من العقوبات؛ المرتبطة بمخالفة المعايير الاجتماعية القائمة بالفعل.
ويسعى غير المتوافقين إلي تحقيق العدالة في الواقع الاجتماعي؛ من خلال محاولتهم تغير البناء الاجتماعي لكن المنحرفين لا يكون لديهم شيئاً جديداً يقدمونه لأنهم يسعون إلي التعبير عن مصالحهم الخاصة؛ وإشباع حاجاتهم الشخصية.
وبناء على ذلك ينطبق الانحراف الاجتماعي على أي سلوك لا يكون متوافقا مع التوقعات والمعايير المقبولة داخل النسق الاجتماعي؛ والتي يشارك فيها الشخص بقية أعضاء المجتمع.
وتتضمن النظرة المتكاملة للانحراف أنواع مختلفة منها انحراف الفرد؛ عن الاهداف العامة للمجتمع أي أن تحديدة لأهدافه الذاتية على المستويين القريب والبعيد؛ تم بمعزل عن تطلعات المجتمع وأهدافه.
وانحراف الفرد عن الوسائل السوية والسلوكيات الأخلاقية؛ التي تستخدم لتحقيق الغايات ؛وفي هذه الحالة قد يسير المنحرف بمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة".
وانحراف الفرد عن الأهداف والوسائل فالأهداف قد تكون غير مشروعه وكذلك وسائل تحقيقها غير مقبولة قانونياً واجتماعياً وأخلاقياً لدى المجتمع.
والتطبيق الخاطئ والمسايرة الجامدة المفرطة للأهداف والوسائل ما يجعل الفرد يخرج عن التوقعات المشتركة.
الانحراف من الوقائع الاجتماعية التي لازمت المجتمعات البشرية منذ أقدم العصور؛ والانحراف ليس شيئا مطلقا بمعني أنه يدل على فعل ثابت له أوصاف محددة ولكنة نسبي تحدده عوامل كثيرة منها الزمان والمكان والثقافة؛ فقد كانت بعض الأفعال في الماضي لا تعد انحرافا ولكنها أصبحت انحرافا في المجتمع المعاصر يحقر مرتكبوها ويعاقب عليها القانون.
والانحراف في العصر الحاضر؛ قد يختلف معناه في مجتمع عنه في مجتمع آخر نظراً لاختلاف المجتمعات في عناصر ثقافتها وحضارتها؛ وعلى الرغم من أن الانحراف ظاهرة اجتماعية موجودة في كل المجتمعات الانسانية.
التعليقات