اسألوا جيل الثمانينات والتسعينات عن المشروبات الغازية؛ يقولون كانت تأتي في المناسبات احتفالا بنجاح بزواج بعيد ميلاد؛ فكانت تعبيرا عن الفرح والسعادة، تقليدا من تقاليد الاحتفال؛ فكانت مميزة عزيزة جميلة؛ ولكن عندما أصبحت في كل منزل وفي كل وقت، عندما أصبحت مشروبا عاديا بعد الوجبات، فقدت رونقها ففقدت لذتها.
والله أعلم بخلقه، يعلم بأن لكل قليل عزيز رونقا خاصا، فمع كل أمانينا بحبنا أن تكون كل الأيام رمضان، جعل الله شهرا في السنة رمضان، ننتظره انتظار المحروم، نتجهز له كأغلى ضيف، نحزن على انتهائه كفراق أعز حبيب، ندعو طوال أيام السنة " اللهم بلغنا رمضان".
لا نمنح الله شهرا من التعبد المستمر بل يمنحنا الله شهرا من البركة، فالصيام في الإسلام ليس مجرد ركن من أركانه وفرض من فرائضه، بل هو وسيلة للاحتفال، فعلمنا سيدنا محمد (ص) الاحتفال بالصيام فكان يصوم يوم الإثنين ويوم الخميس من كل أسبوع يوم الإثنين هو يوم مولده ويوم نزول الوحي عليه، وكلاهما يومان مباركان تُعرض فيهما الأعمال، وصيام شهر رمضان فرض للاحتفال ولتقديس الشهر الكريم الذي أنزل فيه القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلي السماء الدنيا لينزل متفرقا على سيدنا محمد (ص) في الوقائع والمواقف المناسبة؛ في ليلة من العشر الأواخر من شهر رمضان تُعرف بليلة القدر، وهي ليلة مباركة يُقدر فيها القضايا المهمة في الحياة كالموت والميلاد.
يُنسب إليه اختلاف موازيننا من نوم وطعام يصحبهما إرهاق والحقيقة أن موازيننا تُخل من أخطائنا نحن، يستيقظ المسلمون عادة لتأدية صلاة الفجر في أول النهار، فما يفعله الصيام من اختلاف هو الاستيقاظ أبكر بساعة لتناول وجبة السحور ثم البدء في روتين اليوم العادي، لم يأمرنا الصيام بالسهر طوال الليل من ساعة الإفطار لساعة الفجر ثم النوم نهارا، فالحياة لا تتوقف في رمضان، الدراسة والعمل في نهار رمضان كباقي أيام السنة.
انقلاب موازين وأسس النوم والاستيقاظ هو ما يجعلنا مرهقين في الصيام أكثر من الصيام نفسه، مما أثار الجدل وأعطى المستشرقين مجالا للحديث عن شهر رمضان وعن وجوب التعديل والتجديد في فكرة الصيام فتصبح روحانية أي زيادة تمسك بالأخلاق والقيم وليس انقطاعا عن الطعام والشراب بحجة أن بهذا الصيام يتخلف الموظفون المسلمون عن غيرهم حيث يُسلب منهم شهر كامل يكونون فيه بلا قوة ولا قدرة على العمل.
يتحدثون عن الظلم في اللعب بنوم الإنسان بأمره بالاستيقاظ مبكرا للصلاة، وينادون فرحين باكتشافهم " نادي الخامسة صباحا" قائلين أن العظماء لا ينامون لوقت متأخر، فعندما تكون نائما إلى الثامنة صباحا هناك من يحدد مصيرك في الخامسة.
يتحدثون عن الظلم الواقع على الإنسان بمنعه عن الطعام والشراب لساعات طويلة تصل إلى ست عشرة ساعة وما يفعله للجسد من هزل وكسل وما يفعله للعقل من خمول وضعف، ويتغنون بنظام الصيام المتقطع أي الانقطاع عن الطعام والمشروبات المحلاة لعدد من الساعات يصل لست عشرة ساعة وما يفعله للجسد من تصفية للسموم وتنقية للدم، وما يفعله للعقل من اتزان ويقظة.
شهر رمضان بعظمة شعائره ولياليه والتراويح والمناجاة، بالضعف والقوة، بالانحراف والاستقامة، بعد ذنوب وخطايا نطلب من الله الرحمة والمغفرة وكلنا يقين بأن شهر رمضان يأتي ليخلصنا مما نحمل هما وكربا وذنبا، بارك الله لنا فيه وفي أيامه وأعاده علينا باليمن والبركات.
"الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتُ ما بينهنَّ إذا اجتُنبت الكبائر." صدق رسول الله (ص).
التعليقات