كليوبترا السابعة واحدة من أشهر ملكات مصر، تم ربط اسمها دائما بتصرفات مثيرة للجدل مثل استخدامها لجمالها في تأصيل حكمها على البلاد من خلال إغواء أكبر قادة روما آنذاك وهما يوليوس قيصر وماركوس أنطونيوس، ولأنها آخر ملوك دولتها وآخر من حكم من سلالة بطليموس تنسب إليها هذه الهزيمة وينسي تاريخها الطويل.
بعد وفاة بطليموس الثاني عشر انتقل الحكم إلى أكبر أبنائه بطليموس الثالث عشر وكبرى بناته كليوبترا السابعة التي كانت تكبر أخيها بما يقارب السبع سنوات وقيل العشر، ولكن مع مجيء اسم أخيها قبلها كان من الصعب على كليوبترا صاحبة ال ١٧ عاما أن تقبل بشريك في الحكم ذو سلطة أعلى من سلطتها فقررت التخلص منه، وبعد حرب دارت بينهما وتدخل من يوليوس قيصر الذي أفضى بذهاب الحكم لأختهما الصغرى أرسينوي الرابعة، استطاعت كليوبترا التفرد بحكم مصر بعد وفاة أخيها غرقا في نهر النيل وأسر أختها الصغرى وترحيلها إلى روما، وهذا بعد أن استطاعت أن تكسب دعم الرومان ويوليوس قيصر، فبتفكير سياسي بحت قامت كليوبترا بإنجاب طفل ليوليوس قيصر قائد روما لتضمن دعمه المستمر حيث أصبح استمرار حكمها كملكة على عرش مصر هو ضمان لمستقبل ابنه بطليموس الخامس عشر "قيصرون" الذي سيرث العرش من بعدها.
بصور ولوحات وطبع على عملة مصر القديمة وبآراء المؤرخين وجدوا أن كليوبترا لم تكن بهذا الجمال الصارخ الذي يُحكى عنه ويُصور الآن في الأعمال التليفزيونية، ولكنها كانت مفعمة بالحياة والبريق والقوة والطموح والذكاء والثقافة غير المعهودة فكانت كليوبترا.
لقبت نفسها "بإيزيس الجديدة" حيث اعتبرت نفسها التجسيد الحي للإلهة إيزيس وكانت هذه الفكرة بداية للملكة كليوبترا الثالثة ولكن صاحبتنا اقتبستها وتفوقت بها، "فما من طريق أقرب لقلوب المصريين من الدين"، وعلى خلاف من سبقوها في حكم مصر من سلالتها؛ اهتمت بتثقيف ذاتها في كل المجالات لتليق بحكم مصر، وساعدها ذلك أنها تلقت تعليمها بداية في منارة العلم في العالم آنذاك وهي الإسكندرية، اهتمت بدراسة اللغات فنطقت بتسعة ألسنة مختلفة وعلى رأسهم اللغة المصرية القديمة فتعلمت قراءة الهيروغليفية، وإلى جانب ذلك انطلقت في دراسة العديد من المجالات الأخرى كالتاريخ والجغرافيا والدبلوماسية الدولية والاقتصاد والطب والكيمياء والرياضيات والفلك وعلم الحيوان، أى حاولت أن تلم بكل معرفة الأرض آنذاك؛ لتتمكن من حكم البلاد وهي على دراية كاملة بكافة شئون شعبها؛ وبالفعل ازدهرت البلاد في عصرها الذي استمر لأكثر من عشرين عاما، أحبت شعبها وأخلصت له فأحبها؛ حيث يُحكى أنها فتحت مخازنها الخاصة من طعام وأموال للشعب في سنوات المجاعة التي أصابت البلاد، أحبها الشعب لحسن إدارتها بغض النظر عن جنسها.
ولكن رغبة الرومان في تلك الأرض -أخصب أرض في العالم- لم تفتر، فعادت من جديد متمثلة في أوكتافيوس وأنطونيوس والذي كان زوج أخت أوكتافيوس وقتها، فجاء أنطونيوس إلى البلاد، وكانت كليوبترا مازالت في ينوعها وقوتها وجمالها فاعتقدت أنها ستنجح بخطتها المعتادة، وبالفعل وقع أنطونيوس في حبها وأنجبت له توأمان ألكسندر هليوس وكليوبترا سيلين، فأصبح حليفا لها مساندا لها ولحكمها على البلاد بدلا من ضم مصر تحت الحكم الروماني؛ فأصبح عدوا لأوكتافيوس، ليعود أنطونيوس إلى روما مع فخره وتحدثه الدائم عن وريثيه توأمين كليوبترا ليثير ذلك غضب زوجته وأخت أوكتافيوس فيحدث الطلاق ويتزوج من كليوبترا السابعة رسميا، وأثناء رحلتهما سويا بعد الزواج خطط أوكتافيوس للحرب وباغتهم بها لتكن معركة أكتيوم البحرية غربي اليونان والتي انتهت بالنتيجة المتوقعة بانتصار أوكتافيوس وهزيمة أنطونيوس فانتحر وانتحرت بعده كليوبترا خوفا من وقوعها في الأسر تحت يد عدوها، وقيل في رواية أخرى بأن كليوبترا نشرت خبر انتحارها كذبا بعد معرفتها بالهزيمة حتى لا يأتي جيش أوكتافيوس إليها واختبأت بضريحها ولكن الخبر وصل إلى أنطونيوس فطعن نفسه بالخنجر وأمر بأن يُرسل جثمانه إلى جوارها فعندما وصل لم تجد كليوبترا حلا إلا بأن تقتل نفسها حقا عن عمر ال ٣٩ عاما.
لتبقى في التاريخ واحدة من أشهر قصص الحب والتي تغني بها الكتاب والشعراء كويليام شكسبير وأحمد شوقي.
تنتهي قصة وتبدأ أخرى، ولكن على الرغم من كل ما شوب تاريخها، تظل كليوبترا السابعة واحدة من أعظم العقليات التي حكمت مصر على مر التاريخ.
التعليقات