عنوان هذا المقال ليس من قبيل البلاغة أو حتى المبالغة فى وصف باحث بعينه، وإنما يعبر عن واقعة حقيقية، فهذا الباحث الذى شارك فى بحث علمى منشور، لم تنجبه امرأة وإنما هو ابن الآلة ومجرد تطبيق لتقنيات الذكاء الاصطناعى، وعلى الرغم من الصدمة التى أحدثتها هذه المشاركة، فى الأوساط العلمية، فإن الجدل الأوسع نطاقا كان حول مدى التهديد الذى تشكله تطورات الذكاء الاصطناعى ليس فقط على أخلاقيات البحث العلمى وإنما أيضا على منظومة القيم الانسانية بل والكثير من المسلمات فى حياة الناس.
التطورات المتلاحقة فى هذا المجال قد لا يتوقف تأثيرها على إعادة صياغة نمط حياة الناس وإنما قد يمتد الى أخلاقياتهم فى مجالات عديدة، فهناك تطبيقات معتمدة على الذكاء الاصطناعى، تنتج شعرا وفنونا وموسيقى، وتطبيقات أخرى تنتج أبحاثا علمية إلى الحد الذى أثار قلق أساتذة الجامعات فى الولايات المتحدة من ان يعتمد عليها بعض الطلبة والباحثين فى إنتاج أبحاث علمية قد يصعب اكتشاف انها ليست من عملهم هم، وهو ما دعا رجل التكنولوجيا الملياردير إليون ماسك الى القول إنه مع ظهور تطبيق «تشات جى بى تى» فقد انتهى ما يعرف بالواجبات المدرسية لأنه يمكن ان يستخدم الطلبة هذا التطبيق لإنجاز تلك الواجبات! وقد تصاعد الجدل فى الأوساط العلمية حول هذه القضية.
بعد أن نشرت باحثة مقالة بحثية فى إحدى الدوريات العلمية، وكان الباحث المشارك معها، هو برنامج الذكاء الأصطناعى «تشات جى بى تي». الذى أصدرته شركة برمجيات أمريكية، فى 30 نوفمبر الماضى، ومنذ ظهوره تصاعد الجدل بين الباحثين حول القضايا الأخلاقية المرتبطة باستخدامه؛ لأنه من الصعب تمييز الكثير من مخرجاته عن النص المكتوب من قِبل الإنسان.
أما صاحبة هذه المبادرة التى اعتبرت هذا التطبيق شريكا لها فى إعداد البحث، فهى سيوبان أوكونور، الباحثة بكلية العلوم الصحية فى جامعة مانشستر البريطانية، التى ذكرت أن تطبيق «تشات جى بى تى هو (باحث مشارك) فى بحثها المنشور بدورية «نيرس إيدوكيشن إن براكتس»- عدد يناير 2023 - بعنوان «فتح منصات ذكاء صناعى فى تعليم التمريض: أدوات للتقدم الأكاديمى أم إساءة؟» والذى كان مفاجأة كبيرة بين الباحثين الذى فتحوا عيونهم على زميل جديد لم تنجبه امرأة يشاركهم كتابة الأبحاث العلمية!!
وهكذا تدخل الروبوتات المعتمدة على الذكاء الاصطناعى كشريك للإنسان فى أعماله العلمية والأدبية والفنية وقد تطالب فى المستقبل القريب بحقوق ملكية فكرية لها!.
المشكلة الاخلاقية التى أثارها نشر البحث، تكمن فى ان هذا التطبيق لا يستطيع تحمّل المسئولية عن محتوى الأوراق العلمية وسلامتها، كما أنه قد يستخدم كأداة لإصدار أبحاث لا أساس لها من الصحة، وتزداد خطورة ذلك عندما يكون موضوع هذه الأبحاث فى مجال الأدوية أو أمراض تصيب البشر. ولكن الباحثة، بررت إقدامها على ذكر اسم التطبيق كباحث مشارك فى بحثها بأن ذلك «أفضل بكثير من أن يحمل المقال اسمها بمفردها، بينما لذلك التطبيق دور كبير فى كتابته».!.
المخاوف من تأثيرات تطبيقات الذكاء الاصطناعى لا تقتصر على البحث العلمى وانما تمتد لمجالات أخرى منها سلامة النظام الديمقراطى، فهذا ما حذر منه العالمان: اناثان ساندرز المتخصص بمجال البيانات، وبروس شنير المتخصص بمجال الأمن التكنولوجى، اللذان نشرا مقالة بحثية ضمن - خدمة «نيويورك تايمز خلال يناير الماضى، اعربا فيها عن قلقهما من حلول الذكاء الاصطناعى محل البشر داخل العمليات الديمقراطية. لافتين الى قدرة «تشات جى بى تي» على صياغة تعليقات، تؤثر على الديمقراطية من خلال كتابة خطابات موجهة للصحف، والتعليق ملايين المرات يومياً على المقالات والمدونات والمنشورات عبر شبكات التواصل الاجتماعي. أى انه بإمكان هذا التطبيق محاكاة ما فعلته وكالة أبحاث الإنترنت الروسية، فى إطار محاولتها التأثير فى الانتخابات الامريكية 2016، لكن من دون الحاجة لميزانية الوكالة التى قدرت بعدة ملايين من الدولارات.
كما يمكنه استهداف مشرعين بارزين وشخصيات نافذة، بهدف تحديد أكثر نقاط الضعف هشاشة داخل منظومة صنع السياسات، واستغلالها عبر حملات منظمة وتحديد الرسالة المناسبة فى الوقت الصحيح لكل جمهور مستهدف. لتحقيق الضغط المطلوب فى اتجاه محدد سلفا.
التعليقات