كلنا مختلفون، فروق فردية تميزنا عن غيرنا وهى ما تجعل كل إنسان على الصورة المرئية أمام العين، اختيار تخصص الدراسة والمهنة ناتج من هذه الفروق، فهناك من تراه مهندسا ولو لم يكن وهناك من تراه غير لائق بمهنة الطب ولو كان، والأمر سيان في جميع الحالات.
لكي يكون المرء أديبا يجب أن يمتلك بضع صفات تميزه عن غيره مثل الجرأة والبصيرة مع وجود الموهبة الفطرية، من الشجاعة أن تعبر عن رغباتك واحتياجاتك ولكن هل يمتلك الجميع القدرة على التعبير عن مشاعر واحتياجات الغير، أو التطرق إلى أخطر القضايا والمشكلات بدون خوف أو تردد؟ وأما عن البصيرة فهي تتمثل في عمق النظرة، أن يرى من أمامه ويكأنه كتاب مفتوح بنظرة فاحصة لحركاته وردود أفعاله ومشاعره الظاهر منها وما خفي، فيمكنه تخيل الماضي الذي أوصل من أمامه لتلك الشخصية والمستقبل المتوقع والنهاية المستحقة، فيستطيع الأديب خلق حياة شخصية كاملة من مجرد لقاء عابر في وسيلة من وسائل المواصلات؛ حيث قال العديد من الكتاب والمؤلفين ممن أثروا تاريخ السينما والتليفزيون مثل الكاتب الكبير وحيد حامد والكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة أنهم أخذوا معظم الشخصيات التي أحبها الجمهور من الشارع من شخصيات حقيقية فتلك الشخصيات هي التي تدخل القلوب ويتعلق بها الجمهور أكثر بكثير من تلك الشخصيات العقيمة التي تُخلق خلقا كاملا على الورق.
الكاتب والروائي المصري الكبير نجيب محفوظ والحائز على جائزة نوبل في الأدب في عام ١٩٨٨، اشتهر وتميز في تقديم شخصيات حقيقية أقرب ما يمكن أن يكون إلي من يقرأها من عامة الشعب، قدم ثلاثيته الشهيرة بين القصرين وقصر الشوق والسكرية والتي قدم فيها حياة ثلاثة أجيال مختلفة من عائلة واحدة والتي امتدت في فترة زمنية طويلة فاستغل ذلك في رواية العديد من المواقف والأحداث التاريخية بدمجها في تفاصيل الشخصيات اليومية واصفا أدق التفاصيل عن الأزياء والمباني حتى وصل إلى وصفه لشعاع الضوء الساقط على المشربية نظرا لأن الرواية تدور في حي الجمالية الذي نشأ فيه الكاتب، فبأسلوبه السلس وطريقته المميزة طلت علينا ثلاثية نجيب محفوظ الرواية الأفضل في تاريخ الأدب العربي حسب اتحاد كتاب العرب، انتقل بعدها من الواقعية الاجتماعية إلى الواقعية الرمزية حيث بدأ برواية أولاد حارتنا وهي الرابعة لرواياته اللاتي رشحته لجائزة نوبل متخطيا فيها كل الحدود سياسيا ودينيا حيث مُنع نشر تكملتها في مصر لسنوات طويلة حيث كان ينشرها أجزاء في جريدة الأهرام في البداية وتعرض بسببها إلى محاولة اغتيال لاتهامه بالكفر ولكنه لم يقف ولم ينتابه الشك حول ما يقدمه لثقته في تفكيره ونيته ليعود برواية الحرافيش والتي نُسجت من نفس المنوال.
"ليس الأديب رجلا يكتب أو يتكلم لا لشيء إلا ليصفق له الناس، إنما الأديب هو الذي يكتب ليفهمه الناس ... وبقدر ما يستطيع، يحاول الإصلاح ما وجد لهذا الإصلاح سبيلا ..." عميد الأدب العربي طه حسين.
يأتي النجاح عندما يفعل المرء ما يحب ويهوى، فيمكنك المرور والنجاة من طريق لا يتلاقى مع نجمك ولكنك لن تتميز فيه، فهؤلاء لم يحلموا بأن يكونوا أدباء وكتاب ولم يتمنوها رغبة في الشهرة وحب الناس - مع أن هذه الرغبة ليست بسيئة أو طامعة - ولكنهم اضطروا لها فما كان هناك مفر بالنسبة لهم ولظروف حياتهم وفرط تفكيرهم من لجوئهم إلى سرد ما يرونه في الناس وما يجول في عقولهم على ورق وما زادهم رغبة في التعبير هو حب الناس الذين تعلقوا بهم وازدادوا ثقافة ورؤية على أيديهم.
العمر قصير مهما طال ولكن إذا تُرك ميراث من العلم والسيرة بعد الموت طال العمر ولو قصر وكدليل على هذا، نتذكر الكاتب غسان كنفاني الذي نقرأ له إلى اليوم مع كونه لم يعش في هذه الدنيا طويلا فكان رحيله بقتله غدرا في عمر ال ٣٦ عاما وغيره الكثيرون ولكنه بيننا وإن لم يكن حي يُرزق.
التعليقات