إحراق المصحف في السويد وغيرها من الدول الغربية ليس فقط استهانة بمشاعر المسلمين وعدوانا على عقيدتهم، وإنما مقدمة لأفعال أكثر إجراما وعنفا ضد أبناء الجاليات الإسلامية هناك.
إن ملابسات هذه الجرائم توضح بجلاء انها ليست عملا فرديا ولا أمرا عابرا وإنما فعل ممنهج ومتكرر يتم تحت بصر السلطات بالعديد من الدول الأوربية، ولا يدخل في حرية التعبير كما يزعمون وإنما يعبر عن ازدواجية في المعاير حيث تجرم القوانين هناك إنكار محرقة اليهود وحرق علم المثليين بينما تسمح بحرق الكتاب المقدس للمسلمين!
الشواهد توضح أن هذه الجرائم مستمرة ومخططة ،فبعد يومين فقط من قيام المتطرف السويدي راسموس بالودان بحرق المصحف الشريف في ستوكهولم، وما تبعه من الإدانات واسعة النطاق ومظاهرات شهدتها عدة مدن إسلامية احتاجا على هذه الجريمة، وجدنا زعيم حركة “بيغيدا” المتطرفة المعادية للإسلام في هولندا، إدوين واجنسفيلد، يمزق نسخة من المصحف بمدينة لاهاي، قبل أن يدوسها بقدميه. فيما اقترح الأمين العام للحزب الديمقراطي السويدي، ريتشارد جومشوف، حرق 100 نسخة أخرى من المصحف الشريف!!
وليست هذه هي المرة الأولى، التي يقدم فيها راسموس بالودان، زعيم حزب "سترام كوكس" اليميني المتطرف، على إحراق نسخة من القرآن الكريم، وإنما سبق ان أحرق نسخ من المصحف، في عدة مدن بالدنمارك والسويد منذ العام 2017، متجاهلا ردود أفعال المسلمين والجاليات المسلمة هناك، حيث أدى قيامه مع أنصار حزبه بإحراق نسخ من القرآن الكريم، في إبريل الماضي إلى اندلاع مواجهات واسعة، في أنحاء متفرقة من السويد.
بل ان هذه الجريمة أصبحت حدثا متكررا في الكثير من الدول الغربية، بدءًا من 2011م، عندما قام القس الأمريكي تيري جونز بحرق المصحف الشريف، وتكرر الأمر في بريطانيا في العام نفسه، ثم تكرر في فرنسا والنرويج وهولندا وألمانيا والدنمارك في فترات متباينة.
ومن ثم فإن حرق المصحف فعل مقصود يكشف عن، رغبة عدائية واضحة لتغذية مشاعر الكراهية للإسلام والمسلمين، ولا يمكن اعتبار مجرد اعتراض على موقف معين قام به شخص أو عدة أشخاص مسلمين أو دولة إسلامية، حسبما يتم تبريره.
لذا فإن سيل الادانات الواسعة التي نددت بهذه الجريمة سواء من من داخل العالم الإسلامي او خارجه لن يمنع تكرارها ولن يوقف ما سوف يترتب على ذلك من إيذاء للمسلمين واثارة الحقد والكراهية ضدهم، والتعدي على المساجد والمحجبات وربما الإساءة كل من يحمل صلة بالإسلام، فهذه الإدانات لم تمنع الشّخص العُنصري نفسه من حرق القرآن في مرّاتٍ سابقة، ولم تُوقف مجلّة “تشارلي إيبدو” الفرنسيّة من إعادة نشر الرسوم الكارتونية المسيئة للرّسول في سبتمبر2020.
ان تكرار هذه الظاهرة يثير العديد من علامات الاستفهام : فلماذا تساهلت السلطات السويدية مع اليمين المتطرف راسموس بالودان، كي يستمر في أحراق المصحف، رغم معرفتها بتاريخه الاجرامي ؟ حيث سبق اتهامه بإجراء محادثات جنسية مع أطفال قاصرين! فضلا عن ان قيامه بحرق المصحف من قبل تسبب في أحداث عنف بعدة مدن سويدية ومع ذلك لم يتعرض لأي عقاب.
كما يثير العديد من التساؤلات حول سياسات الحكومات الأوروبية، في الحد من تداعيات ظاهرة الإسلاموفوبيا، ؟ فلماذا يُجرّم القانون نُكران الهولكوست بينما يتغافل عن انتِهاكات للعقيدة الإسلاميّة، وهنا نساءل كيف تمكن اقل من 20 مليون يهودي من إصدار تشريع يجرم معادة السامية ، بينما يعجز مليار ونصف ميار مسلم من إصدار تشريع مماثل يجرم معادة الإسلام والمسلمين او حتى ازدراء عقيدتهم ؟
«عندما تحرق الكتب، فإنك سرعان ماتحرق الناس».. هذه المقولة للمفكر الألماني الشهير هاينرش هاينه، تحققت في التاريخ القديم والحديث والمعاصر بدءا من إحراق الكتب في بغداد على يد المغول وما صاحبها من قتل وتدمير، ومرورا بحرق القرآن على يد محاكم التفتيش في إسبانيا، وما صاحبها من جرائم بشعة، وانتهاء بإحراق الكتب اليهودية على يد النازيين في ثلاثينيات القرن الماضي وما تلاها من إحراق اعداد من اليهود (الهولوكوست).
النيران لا تحمل سوى رسالة كراهية، وتحضيرًا لما هو قادم كحطب لها. فبالأمس كانَ اليهود هدفًا واليوم العرب والمسلمون فانتبهوا قبل المحرقة الجديدة!
التعليقات