لا تغنى النصيحة عن التجربة، هكذا يستهل عباس العقاد كاتب سيرته الذاتية من واقع تجاربه فى مراحل مختلفة من حياته، فعندما أصدر ديوانه " وحي الاربعين" وكان حينها في الرابعة والاربعين من عمره، أقترحت عليه مجلة الهلال أن يكتب فصلا نثريا في هذا الموضوع، فكتب متحدثا عن حالته النفسية والفكرية كما تحدث عن فلسفته بين الشباب والكهولة وعن تجاربه الشخصية بين العشرين وحتى الأربعين.
وبعد مرور عشر سنوات أقترح عليه الكاتب طاهر الطناحي أن يكتب مقالا بعنوان من وحي الخمسين، فكتب مقالا مليئا بروح الخمسين وما يعتور أصحابها من حالات نفسية ونظرات جديدة إلى الحياة تختلف عن سابقيها في مراحل العشرينات أو الثلاثينات أو الاربعينات.
وهكذا تدور الحياة، فقد كان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد محبا للحياة رغم متاعبها وأذاها وعلى الرغم مما عاناه فيها من أمراض وشدائد ، فإنه كان يتقبل تقلباتها بحكمة وروية ولكنه أكد على ضرورة ترك مالابد من تركه واقتناص مايصلح أن يقتنص فقط في دوامة الحياة.
وقد كان العقاد ميالا للعزلة والوحدة وكثرة الانفراد بنفسه ، بل كان يميل الى الانطواء، وعندما سئل عن ذلك أجاب بأنه قد ورث طبيعة الانطواء عن أبيه وأمه ،فلا يمل الوحدة وان طالت ولايزال يقضي معظم أيامه في بيته وحيدا بين أرفف كتبه.
سئل عن الحب عندما كتب روايته "سارة" ،فأخبر أن هذا أسم مستعار لهذه الفتاة التي وصفها بأنها جميلة بلا مراء ومع أنها ليست أجمل من رأى في حياته ولكنها تمثل جل النساء في قلبه وهذا يكفي تعريفا للحب دون التقيد بأمور اخرى.
أحب العقاد مي زيادة حبا روحيا وتحدث عنها في اخر رواية سارة وأسماها بأسم هند وكان يزورها ويجالسها ويتناولان من الحب مايتناوله العاشقان العذريان ، كما كانت مي تحبه حبا شديداولم تكن تعلم بحبه لسارة ، وإنما كانت تزعم بينها وبين نفسها أنه معزول عن عالم النساء.
في فصل اخر يتحدث العقاد عن كرهه للموت ولكنه لايخشاه ولم يكن يطمع أن تدوم حياته الى سن المائة ، فقد توفيت والدته في سن الثمانين ووالده دون هذا السن ، وقد تنبأ بالموت في حديث بينه مع أحد محاوريه فقال " الابن يأخذ متوسط عمري ابيه وأمه وقد تنتهي حياتي قبل الثمانين بكثير.
يتحدث بعد ذلك عن أسم عائلته العقاد ، فيذكرأن جد جده لابيه كان من ابناء دمياط وكان يشتغل بصناعة الحرير وانتقل الى المحلة الكبرى بمحافظة الغربية حتى يتخذها مركزا لنشاطه التجاري ،ومن هنا أطلق عليه الناس اسم العقاد اي الذي يعقد الحرير والتصقت به التصاقا بعد ذلك.
في جانب أخر مهم لايفوتنا الحديث عنه عندما يتحدث العقاد عن علاقته بالكتب وأي أنواع الكتب المفضلة اليه ، فبرغم أقتناعه ان الكتب لاتغني عن تجارب الحياة كما لاتغنى التجارب عن الكتب لأن الكتب هي حصاد المئات من تجارب الحياة المتراكمة في مختلف الامم والعصور ولايمكن حصر هذه التجارب الا من خلال الكتب.
في اعتقاده أن الكتاب الجيد هو الذي يؤكد عليك كقارئ معلومة تم الحصول عليها مسبقا ،فهذا يضفي لون من الجدية والثقة لهذه المعلومة ولهذا الكتاب ولذلك الكاتب ، كما أن مقومات الكتاب الجيد أن تحصل من خلاله أيضا على معلومة جديدة لم تكن تعرفها من قبل ، ولايؤمن العقاد بان هناك كتب مكررة لان الفكرة الواحدة إذا تناولها ألف كاتب أصبحت ألف فكرة ولم تعد فكرة واحدة، ولهذا ينصح العقاد بقراءة رأي أكثر من كاتب في موضوع واحد.
الكتاب سيرة ذاتية عن كل مراحل حياته من الطفولة مرورا بفترة الشباب وفترة الكهولة ثم الشيخوخة بأنواعها.
التعليقات