تبدأ الأسبوع المقبل فعاليات قمة المناخ (Cop27) التى تستضيفها مصر فى شرم الشيخ بحضور وفود من 197 دولة، لمناقشة قضايا التغيرات المناخية، وكيفية التغلب على التحديات التى تواجه البيئة وتتسبب فى ارتفاع درجات الحرارة، ويعتبر هذا الحدث العالمى فرصة لعرض تجربة مصر فى الحفاظ على البيئة وحمايتها من التلوث وجهودها لتعزيز الاقتصاد الأخضر والتى تعكس رؤية حضارية للدولة مستمدة من تاريخها وثقافتها ومعتقداتها وحضارتها، التى أسهمت فى تكوينها العديد من الروافد ومن بينها الفكر الإسلامى، بخاصة أن البيئة أرضية محايدة للحوار بين الثقافات فى الشرق والغرب، على اعتبار أن معالجة قضايا البيئة تقوم على الاعتماد المتبادل.
وهذا السياق يطرح الإسلام منهجاً شاملا لعلاج قضاية البيئة يقوم على التعايش السلمى بين الإنسان وبيئته ويدعو إلى المحافظة على المصادر الطبيعية من خلال التعامل الراشد معها بعيداً عن الإسراف أو الإفساد فى الأرض ويتضمن هذا المنهج الإسلامى آليات ذاتية للحفاظ على البيئة تحفز على زرع الأشجار وتخضير الأرض حتى آخر لحظة فى الحياة، وتجعل من الرأفة بالحيوان سببا لدخول الجنة . ويكون نقاء الماء وطهارته أى حمايته من التلوث - فى هذا المنهج - شرطا أساسيا لممارسة العقيدة .
يرتبط هذا المنهج بنظرة الإسلام للإنسان والكون والحياة، ويشكل حافزا داخليا لدى المسلم من أجل الحفاظ على بيئته وحمايتها من التلوث، ويرتبط بالغاية الأساسية من خلق الإنسان وهى عبادة الله وإعمار الأرض.
ويسلك القرآن الكريم طريقتين فى دعوته للحفاظ على البيئة، الطريقة الأولى تنبع من تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ النوع والسلالة لجميع المخلوقات، ودعوة الإنسان للحفاظ على هذه السلالات، فيشير القرآن الكريم إلى ذلك فى عرضه لقصة الطوفان التى حدثت فى عهد سيدنا نوح عليه السلام ، حيث أمر سبحانه وتعالى أن يصنع الفلك وأن يحمل معه فيها من كل زوجين اثنين حفظا للنوع والسلالة :(حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول) (هود: 40) وتكرر هذا المعنى فى القرآن الكريم:(ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون )(الذاريات : 49).
ودعا القرآن الكريم إلى الحفاظ على المصادر الطبيعية وفى مقدمتها الماء انطلاقا من أهميته لجميع الكائنات الحية: (وجعلنا من الماء كل شىء حى أفلا يؤمنون) (الانبياء: 30) وتأكيداً لذلك ورد ذكر الماء فى القرآن الكريم فى أكثر من 60 موضوعا و وصفه الله تعالى بأنه طهور، ومن ثم يجب الحفاظ عليه.
كما أن الحفاظ على الأرض وحمايتها من التلوث وإعمارها بالحسنى من تعاليم الإسلام ، وقد ورد ذكر الأرض ضمن آيات توضح ذلك فى نحو 500 موضع بالقرآن الكريم ومنها: (ألم نجعل الأرض مهادا) (النبأ :آية 6)
أما الطريقة الثانية:، فتتمثل فى الضوابط العديدة التى جاءت فى كتاب الله الكريم لتحكم تصرف الإنسان فى تعامله مع مكونات البيئة، التى سخرها الله تعالى له، فتنبه هذه الآيات إلى أن هذا التسخير ينبغى أن يفهم فى إطار أن كل هذه الأحياء والمخلوقات ما هى إلا أمم أخرى:(وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم..(الأنعام: 38) فهذه الأحياء قد خلقت لتؤدى دوراً محدداً فى هذه الحياة، ولا شك أن مراعاة هذه الحكمة تجعلنا نتصرف فى مكونات البيئة بوعى تام ونحافظ على التنوع البيولجى.
وقد حفل القرآن الكريم بالعديد من الضوابط التى تحكم سلوك المسلم فى تعامله مع البيئة ،من أبرزها دعوة الإنسان إلى الاعتدال والتوسط فى كل شىء: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) (البقرة: 143)، ولا شك أن هذا الاعتدال ينصرف إلى علاقة الإنسان ببيئته التى تعانى اليوم تطرف البشر فى تعاملهم معها واستنزاف مواردها وسوء استغلالها .
ومن هذه الضوابط، النهى عن الإسراف والإفساد فى الأرض وهو ما نجده فى العديد من الآيات، ومنها: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين» (الأعراف: 31) (وللحديث بقية).
التعليقات