أحيانًا تجد نجم العمل يضيف تفاصيل للشخصية التى يؤديها أو تتملكه أحاسيس الجلالة ويخترع مواقف تشعرك وأنت تشاهدها أنها من وحى اللحظة، ولا يملك المخرج سوى الإذعان لصاحب العصمة.
مع الأسف، تغيرت المنظومة وتبدلت المعايير، وأصبحنا نعيش فى ظل قانون الهرم المقلوب، الذى يعنى أن القرار صار بيد النجوم. عندما تتابع أحاديث بعض فنانى الصف الثانى، ستجد أنهم قلما يذكرون المخرج فى جملة مفيدة، أغلب ما يحرصون عليه هو الثناء على النجم الذى رشحهم للعمل أمامه، وكيف أنه لا يتوقف عن إسداء النصائح لهم وكأنه لا يوجد فى الاستوديو مخرج؟.
فى لحظة صراحة قال لى المخرج الشاب إنه ظل يطارد النجم الشهير بضعة أشهر، كل مرة تأتى الإجابة: (فوت علينا بكرة)، وبعد أن التقاه، قال له النجم وبكل تعال: (مبدئيا أنا موافق، وطلب منه أن يشرح له رؤيته الإخراجية، ليحدد بعدها موقفه النهائى).
أجابه المخرج بأن الرؤية هى حقه المطلق، وعليه أن يمنحه الثقة ليتحمل المسؤولية أمام الجمهور، جاء رد النجم حاسما: (لا تنس أن الجمهور يحاسبنى أنا)، ومن بعدها تعطلت لغة الكلام، وعاد المخرج الشاب للمربع رقم واحد يبحث عن نجم يؤمن بأن من حق المخرج أن يكون مخرجا (بحق وحقيق).
أغلب مخرجينا صاروا يقدمون فروض الطاعة والولاء للنجم صاحب الرأى الأول والأخير.
فى الحياة الفنية، كثيرًا ما تتحول أمارات الضعف إلى مظاهر قوة، المخرج صاحب الإرادة فى كثير من الأحيان مستبعد، النجم يريد أن يعمل تحت مظلة المخرج المطيع، الذى لا يقول له (بم).. وهكذا قد يبتعد عن العمل مخرجون موهوبون، بينما يتواجد بكثرة فى السينما والدراما التليفزيونية هؤلاء الذين يقع اختيار النجوم عليهم، وهم واثقون تمامًا من تنفيذهم - دون حتى مناقشة - ما يريده النجم.. ضعفهم هو سر قوتهم.
الخضوع يصل بالمخرج إلى توصيل رسالة علنية، ليس فقط للنجم الذى يعمل معه ولكن للنجوم الآخرين بأنه سيظل دائمًا وأبدًا حريصًا على ألا يغضبهم، وأن مبدأه هو (علشان الشوك اللى فى الورد بحب الورد).. ومع الأسف، فإن أغلب نجومنا يفضلون العمل مع هؤلاء الذين يتعاملون بأريحية مع أشواك الورد.
التجربة العملية أثبتت أن النجم حتى يحتل مكانة ينبغى أن يستند إلى وجهة نظر مخرج، مثلًا فى مرحلة فارقة فى مطلع عقد التسعينيات، تعاون عادل إمام مع المخرج شريف عرفة الذى قدم له مجموعة من الأفلام المهمة، بدءًا من (اللعب مع الكبار) تأليف وحيد حامد، تشعر فيه بروح مخرج لديه عالمه الخاص.. صحيح أن الثلاثة الكاتب والمخرج والنجم التقوا فى منطقة إبداعية متوسطة، إلا أنه يظل لدينا مخرج يفرض أسلوبه. قال لى وحيد إن شريف حرص على أن يقول له متسائلا: (أفلامى السابقة لم تحقق إيرادات، وربما يعترض عادل على ترشيحك لى)؟، رد وحيد: (هذا فيلم شريف عرفة وليس فيلم عادل إمام).
عدد من الأفلام السينمائية المغايرة للسائد وطوال التاريخ اعتمدت على نبض مخرجيها وليس سيطرة نجومها، إلا أن نجوم هذا الجيل صار أغلبهم يبحثون عن محدودى الإرادة والموهبة.. المخرج مهيض الجناح الذى تمت قصقصة ريشه هو المطلوب لأنه داخل الأستوديو (لا يهش ولا ينش)!!.
التعليقات