كان فيه زمان قلبين الحب تالتهم، فردوا الهوا جناحين والدنيا ساعتهم، ضحكت لهم يومين وفى ليلة خانتهم، اتفرقوا الاتنين فى عز فرحتهم، وهكذا الحب من قديم الزمان بداياته مبهجة ونهايته مؤسفة، تعانده الحياة وتمزقه الأحداث ويغرقه المحيط فى بحر الظلمات، ومن بين قصص الحب المهزومة هو وهى، فى لحظة مكثفة حزينة، كتب كل منهما رسالة للآخر ولم تصل لكليهما، بل ظلت ملقاة فى القبو بلا إطار يحميها من عوامل التعرية، مثلها مثل رسائل كثيرة كُتبت ولم تُرسل لأنها تحمل كل الحقيقة المُوجعة.
كتب هو يقول لها:
«الغالية النقية، شريكة حياتى وأم أولادى، أحن القلوب وأطيب الأرواح، أنا يتيم بدونك، الحياة موحشة فى غيابك لا طعم ولا لون ولا رائحة، اليوم كأمس وغدًا لا فرق، الصمت كئيب والمساحات فارغة ونوايا المحيط كاذبة والمشاعر خداعة البراح ضيق والهواء خانق والأسفار مُرهقة والتجمعات مكررة بلا هدف أو مضمون، الكل ساكن لا يتحرك وأنا سجين الذكريات، أعلم فى قرارة نفسى كم كنت قاسيًا وعنيفًا فى أفعالى، كان أسلوبى فجًّا وتعليقاتى سخيفة وكلماتى جارحة تفتقد اللباقة من أمور لا شأن لكِ بها وكأنكِ المسؤولة عن كل ما يعصف بى من مؤثرات خارجية، أهملت مشاعرك وسخرت من سذاجتك ومارست السلطوية على كل أمورك وربما قيدت أحلامك بحجة الخوف عليك.
كنت الآمر الناهى والمتحكم فى كافة القرارات دون الرجوع إليك، لا قيمة لرأيك عندى ولا تقدير لاجتهادك، نعم أنا الأنانى الذى كان يضع نفسه أولًا وقبل الجميع وعليك الطاعة العمياء، أنا الذى غلبنى التكبر وتملك منى العناد دون مبرر، أنا الذى كنت أنحاز للماديات وأكفر بالمعنويات، وفى كل مرة كنت تتولين فيها إدارة مهام عائلية أو منزلية، كنت أسخر من أدائك وأتهمك بالمغالاة والتجاوز حتى أصبحت فى عينىّ رجلًا ثانيًا ينافسنى لا أنثى.
نعم كرهت استقلاليتك وهاجمت كيانك بعد ما شعرت أنه يتحدى رجولتى وفى الحال تركتكِ بلا تفسير مقنع وتصديت لكل محاولاتك لإنقاذ سفينة حياتنا وتخليت عنك فى أصعب المواقف، وبعدما واجهت الحياة بمفردك دون سند انتصبت قامتك وتحولت أحاسيسك نحوى وفقدت أعظم نعمة فى الوجود وهى حبك الخالص المجرد من أية منافع، فقدت قلبك الحنون الذى لا بديل له سامحينى يا أغلى البشر».
وكتبت هى تقول له:
«الغالى الأمين، شريك حياتى وأبو أولادى، أصدق القلوب وأطهر الأرواح، أنا فى وهن بعد رحيلك عنا، ضاقت بى الدوائر واستحكمت حلقاتها، لا ألتقط أنفاسى من كثرة السعى كلما أتممت التزامًا، ظهر لى آخر أشد وحشية وبلا هوادة، تبعثرت أمنياتى على طريق الألف ميل، وتعثرت خطواتى من ثقل الأثقال، الحياة ماكرة والأفخاخ عديدة والأحداث متلاحقة ومزعجة ونفوس البشرة مليئة بالأحقاد، أعلم فى قرارة نفسى كم كنت بليدة وغافلة فى أغلب قراراتى، كان أسلوبى مندفعًا وأحكامى متسرعة تفتقد الحكمة والتروى.
كان قلبى يسبق عقلى وصوتى أعلى من أفكارى، لم أكن أجيد التوازن ولا أطيق اللوم والمراجعات، مفهومى للحريات كان ساذجًا وقاصرًا تنقصه الأولويات، كنت أبحث عن متعة الأسفار ولذة السهرات وجودة الحياة قبل استقرارها الداخلى، كنت كثيرة الكلام، قليلة الإنصات دائمة البكاء على أتفه الأسباب بحجة الحساسية الشديدة والعاطفية المبالغ فيها، حاولت استيعابك وفشلت، لم أكن ألتمس لك الأعذار، بل كنت أتهمك بالانشغال وضعف التواصل والتكاسل، كانت اهتماماتك غير جاذبة لى.
وربما لم أعطك الدعم الكافى فى تحدياتك اليومية وأنت الذى حجبت عنى أزمات مهنية ومادية كثيرة حتى لا نشعر بالعوز، نعم أنا التى تمردت على قوانينك وكأنها قيود من حديد، أنا التى راهنت على صبرك وتحملك لتقلباتى الموسمية، أنا التى غامرت بعلاقتنا لاستنهاض قلبك نحوى من جديد، ونسيت أن لكل مغامرة ثمنًا مهما كانت افتراضية من وقع الخيال، كنت أستعرض قدراتى لنيل إعجابك وأكرر أخطائى دون تعلم وأثور وأفقد صوابى كلما شعرت بتهديد ووعيد، أنا لا ألومك على الرحيل ولن أرغمك على البقاء، أنا فقط أدعو لك بدوام الراحة والسكينة.. سامحنى يا أغلى البشر».
التعليقات