"العالم لا يفتح ذراعيه للرقيق المسالم ... إنما للجسور الطموح الذي مات قلبه" اقتباس من مسلسل ممالك النار ....
مسلسل ممالك النار بطولة النجم خالد النبوي الذي يلعب دور السلطان طومان باي (آخر سلاطين المماليك الشراكسة في مصر) .... غير فكرتنا أو بمعنى أدق أكمل مسيرة تغيير فكرتنا عن السلطان سليم الأول والسلطان طومان باي .....
درسنا في صغرنا في التاريخ .... الفتح العثماني العظيم حيث دخل السلطان سليم الأول مصر ليحرر أهلها من بطش وظلم المماليك وقاموا بقتل سلطانها طومان باي وتعليق رأسه على باب زويلة .... فكبرنا بفكر أن المماليك أشرار والعثمانيين أخيار ....
جاء المسلسل مبنيا على المفارقة بين شخصيتي السلطانين طومان باي وسليم الأول .... الثاني الذي نشأ على حب الملك وعشقه لسفك الدماء حيث قتل ابن عمه وهو طفل صغير مقتديا بما فعله جده السلطان محمد الفاتح مع أخيه البالغ من العمر ستة أشهر ....
الابن المجنون للسلطان بايزيد الثاني الذي يقول ... أن لا قواعد ومبادئ في الحرب فالانتصار واجب ولو أصبح بالمكائد والدسائس مثلما فعل مع أبيه حتى أخذ منه العرش عنوة ....
والأول الذي نشأ طفلا بصفات المقاتل الشجاع الذي يلتزم بقواعد ومبادئ على غير طباع باقي أمراء المماليك .... أخذه عمه السلطان قانصوه الغوري بعد وفاة والده ليكون له الابن والوريث .... عرف بعدله وقوته وشجاعته فكان ونعم الأمراء ونعم من يحكم ....
بعد معركة مرج دابق (١٥١٦) بداية الحرب العثمانية المملوكية ... وانتصار العثمانيين لعدة أسباب متعلقة بالجيش عدة وعتادا وبعضها متعلق بخيانة أمراء المماليك مثل خاير بك والغزالي .... وعد الأول بولاية مصر والثاني بولاية حلب .... نصب المصريون آنذاك طومان باي سلطانا بعد مقتل قانصوه الغوري .... وبدأت المقاومة الشعبية في صد العدوان العثماني على مصر ... ولكن بسبب الخيانة وكره بعض الناس للمماليك بوجه عام ... هزم المماليك في معركة الريدانية (١٥١٧) حيث أوشوا بمكان اختباء طومان باي ليجده سليم الأول ويأمر بشنقه وتعليق رأسه على باب زويلة بعد أن حاول معه لكي يخون شعبه ويذهب معه إلى اسطنبول .... حيث قال عنه "والله مثل هذا الرجل لا يقتل ولكن أخروه في الترسيم حتى ننظر في أمره."
قيل عن نهاية سليم الأول أنه مات بالجنون بعد أن حاول قتل وريث العرش الأمير سليمان .... وعزل خاير بك عن ولاية مصر لكره الناس له حيث أطلقوا عليه خاين بك ....
المماليك هم بالأصل عبيد فما كان لحكمهم أن يدوم .... ولكن العثمانيين ليسوا بمنقذين .... فكانت مصلحتنا آنذاك مع المماليك الذين أخذوا من مصر بيتا لهم فصارت مصلحتها من مصلحتهم .... حيث قيل لطومان باى وهو طفل مغلوب على أمره يأتي به الجنود إلى عمه "القاهرة سميت قاهرة لأنها هزمت كل الأمم .... مر عليها الكثير وصمدت .... إن ملكتها ملكت العالم .... وإذا كبرت فيها فلن يقف أمامك شيء" ..... فأما عن العثمانيين فكانوا يريدوها أن تنضم إلى الإمبراطورية العثمانية للسيطرة على الشرق ونهب خيراتها من كل شكل ونوع حتى البشر .... فالبارع كان مكانه اسطنبول ....
بعد كل ما مررنا به من تغيير للعناوين الرئيسية بصفحات التاريخ مع اختلاف الروايات للقصة الواحدة .... أصبح من الصعب علينا تصديق أن هذه هي الحقيقة النهائية .... من الصعب تصديق أن ما ذكر في هذا المسلسل وما يكتب الآن هو الحقيقي .... ولكن الحقيقة التي نلمسها الآن أو يريدنا العالم الأن أن نصدقها .... أن طومان باي كان قائدا عظيما غدر به .... وأن سليم الأول كان سلطانا مجنونا يريد كل شيء أو لا شيء ....
ولكن الأهم من معرفة هذه الحقيقة هو معرفة الحقيقة الأكبر بأن التاريخ لم يؤكد حتى الآن فهو محط للنظر والتمحيص وسيظل يتغير وتتغير نظرتنا إليه وإلى من مروا به ....
فنحن الحقيقة الكبرى .... القاهرة هي الحقيقة الكبرى التي طمع ويطمع وسيطمع بها أكبر قادة في العالم مع استحالة تحقيق هذا الحلم الأبدي بالاستيلاء عليها وعلى شعبها ....
وللحديث بقية ....
التعليقات