عندما أصبح الرسام بابلو بيكاسو مسنا، كان جالسا في أحد مقاهي إسبانيا .... يشرب القهوة ثم أخذ يرسم على منديل ليس بهدف الرسم في حد ذاته بل مثلما ترسم الورود وأوراق الأشجار في جانب الكتاب الذي تدرس فيه ..... ولكنه بابلو بيكاسو .... فكانت عبارة عن لوحة تكعيبية انطباعية جميلة على منديل عليه بقع من القهوة ....
فأخذ المنديل ليلقي به في سلة القمامة وهو ذاهب من المقهى .... لتوقفه امرأة علم أنها كانت تراقبه أثناء جلوسه لتقول له "عذرا. هل لي بالمنديل؟ ... سأدفع لك أي ثمن." .... فقال لها "بالطبع ... عشرون ألف دولار." .... انصدمت المرأة وقالت له "لم يستغرق رسمه أكثر من دقيقتين." ..... ليقول لها: " لا يا سيدتي ... بل لزمني أكثر من ستين عاما لكي أرسمها." ووضعه في جيبه وذهب .....
فالثمن غال ليس بسبب إرهاقه في رسمه الذي لم يستغرق طويلا ..... بل بسبب مجهوده الذي بذله ليتطور بذاته إلى أن يصل إلى المرحلة التي يرسم فيها لوحة تكعيبية انطباعية في دقيقتين ..... بابلو بيكاسو كان إنسانا عاديا في بداية حياته فلم يولد عظيما مثلما مات ..... فقد عانى من الفقر والجوع والتنقل والترحال والعمل الشاق ومع ذلك لم يتخل عن حلمه فكان يعمل طوال النهار ليجني قوت يومه ويسهر طوال الليل ينمي موهبته ويرسم إبداعاته التي لم يكن يسمع بها أحد في هذا الوقت لدرجة أنه كان يحرق الكثير من إبداعاته فقط ليبقي الغرفة دافئة .....
فهو شخص لم يتطلع إلى المكسب القريب .... لم يتطلع إلى المكسب المادي من فنه بقدر ما اهتم بما يخرجه من فن .... فكان يقول : "الفن هو الكذبة التي نكتشف بها الحقائق" .... ولكن فنه كان صادقا خارجا من قلبه فوصل إلى قلوب الملايين ....
الطريق إلى النجاح مليء بالأشواك بالنسبة للجميع .... فالفشل هو خطوة لا بد منها من أجل الوصول إلى النجاح ..... يمكنك اعتباره اختبار لمعرفة مدى استحقاقك لهذا النجاح .... يقال لو رأيت أحدا متميزا عنك في صنع شيء ما .... فاعلم أنه فشل فيه أكثر مما فشلت أنت فيه .... فتكرار الفشل في العمل نفسه يجعلك أكثر خبرة وإتقانا وموهبة أي يؤهلك لتصبح ناجحا حقا .....
تعرضك لنقد هدام .... تعرضك لضيقة مادية تشعرك بأنك في الطريق الخطأ .... تعرضك لخيبة أمل في فرصة كنت تتمناها .... حزنك على نفسك وموهبتك التي تعتقد أنها تستحق التقدير والاحتفاء .... كل هذه لحظات ستمر بها بالتأكيد .... فالرحلة طويلة ولكنها تستحق .... الحلم القريب السهل فرحه لحظي .... أن تكون كل أحلامك مقتصرة على وظيفة مستقرة تدر عليك مالا وسرير دافئ ستصل إلى ذلك بالتأكيد وستفرح في لحظتها ثم ستبحث عن حلم جديد وسبب آخر لبقائك حيا .... ولكن إذا كانت أحلامك نفسها متطورة ليس لها حدود مرتبطة بموهبتك وفرحتك الحقيقية ستجد كل نجاح يمهد للنجاح الذي يليه ..... ولو كانت الأحلام صعبة فالطريق نفسه بآلامه وصعوباته سيكون جميلا لجمال المقصد .....
فأما عن الخطأ الذي نرتكبه في حق أنفسنا دائما هو التخلي ..... التخلي عن الحلم من أجل حياة مستقرة ..... تجنب الفشل .... بتجنب المحاولة ..... بتجنب الحياة .... وبهذا لن نلقي لا نجاح ولا سعادة ولا حياة ....
فإذا كنا غير مستعدين للفشل .... فنحن غير مستعدين للنجاح أصلا.
التعليقات