فيلم "برا المنهج"، تدور أحداثه حول الطفل اليتيم نور، الذي يبلغ من العمر 13 عام، والذي يحاول اكتساب احترام زملائه؛ من خلال دخوله إلى منزل مهجور أمام المدرسة، يخاف الأولاد المرور بقربه ليكتشف أن الذي يسكنه رجل عجوز يعيش هناك مختبئًا عن العالم ومكتئبًا، كانوا يطلقون عليه "الشبح".
تنشأ صداقة وعلاقة تربوية بين الصبي والرجل العجوز، وتبدأ رحلتهما سويًا إلى اكتشاف الذات.
لم اطالع فيلم عربي مصري منذ فترة طويلة، أبكاني بعد انتهائه لما يقترب من الساعة.
الحقيقة أن العمل أبهرني على عدة أوجه.
أولاً: القصة، تناقش فكرة عظيمة ألا وإنك لست بحاجة لأن تكون غني أو ميسور لتتمكن من تكون إنسان صادق بحق، كل ما تحتاجه فعلا أن يثق بك أحدهم.
دومًا يحتاج الإنسان أن يؤمن به شخص ما ليتعلم بناء ثقته بنفسه وتتراكم تلك الثقة بداخله. هنا يأتي دور الآباء، وإن غابوا عادة ستجد في طريقك من يرشدك ويمسك بيدك لطريق الصواب.
يطمئنك الفيلم بأن ذلك ما يحدث وقد كان بالفعل نِعم البديل.
ثانيًا: يناقش الفيلم موضوع التنمر بقوة. بعض البشر يحتاجون أن يطمئنوا أن تلك العيوب الخِلقية التي أودعها الله فيهم لن تضرهم.
نقاط ضعفك قد تكون هي سبب قوتك في يوم من الأيام، وفي الأغلب هي المولد الرئيسي لاستمرار نجاحك.
الطفل نور الذي يعاني ضعف الإبصار، يتنمر به زملاءه ويسمونه "عماشة".
ذهلت أن مر على تلك الذكرى الأليمة ما يقرب من ٤٥ عام من أول مرة سمعت من قال لي "يا أم أربع عيون".
٤٥ عامًا مروا ولا يزال البشر يتنمرون ويجرحون ويعطون ألقاب لأُناس ضِعاف البصر ولو كانوا يملكون البصيرة النافذة.
يا إلهي ما يقرب من نصف قرن من الزمان مر ولم يتغير هذا العوار في المجتمع إلا للأسوأ.
رمزية النضارة، استخدمت بمنتهى الحِرفية في الفيلم، واعتبرها هي المعادل الموضوعي للقصة.
الرؤية لا تستوجب أن تكون من خلال عينيك، بل من خلال صدقك وروحك الطيبة وقدرتك على فعل الخير وتجنب الكذب بكل ما أوتيت من قوة.
الحقيقة أن القصة قدر روعتها والعِبر المستخلصة منها آلمتني كثيرا.
فالجروح أحيانا لا تندمل، قد تنغلق ولكنها تبقى حية؛ فرفقا بقلوب البشر ولا تكونوا كالسهام المسمومة.
ثالثًا: يناقش الفيلم فضيلة أخرى، ألا وهي الصدق. التحول الدرامي المذهل للطفل نور من شخص يكذب كما يتنفس، إلى شخص يفقد حياته بسبب الصدق، كان مذهلاً بحق.
نحتاج كمجتمع عربي أن نرسخ مفهوم مهم جدًا يعطي للحياة مزيد من الحياة: "لا تكذب ولو وضع سيفًا على رقبتك".
على الأمهات إرضاع أبنائهم الصدق، وعلى الآباء والأمهات تجنب ترهيب أبنائهم كي لا يلجأوا إلى الكذب لمداواة خوفهم.
رابعًا: في رأيي المتواضع أن أجمل ما ناقشته قصة الفيلم هو التوجيه الصحيح لذاتك. هنا ظهرت براعة الممثل القدير "ماجد الكدواني"، والذي أراه يستحق الأوسكار عن براعته المنقطعة النظير في أداء هذا الدور.
أن تخطئ، هذا فعل مقبول فنحن بشر. الغير مقبول أن تستمر في الخطأ بحجة الظروف أو الضعف أو الكِبَر أو فوات الأوان أو حتى استسلامك لضعفك الداخلي.
كلنا نمتلك القدرة الحقيقية على تصويب اتجاهاتنا في الدنيا، فقط نحتاج العزم والشجاعة والجرأة الكافية للمضي قدما في ذلك.
الأدب من أعظم أدوات إصلاح الأمم، والدراما وصناعة الأفلام تعتبر من الأسلحة الآمنة أو الفتاكة على حسب الفكرة التي تُطرح على عقلك. كل الشكر لكاتب القصة العبقري ومخرج الفيلم المبدع.
خامسًا: الموسيقى الخاصة بالفيلم من تأليف المبدع الموسيقار "راجح داوود"، فلا تتعجب أن تشعر أن تجربة فيلم "الكيت كات" تتسلل إلى روحك مرة ثانية.
أخيرًا، لم تعجبني نهاية الفيلم. يدور الفيلم في بيئة تعتبر بائسة، يعاني معظم الأبطال من مشكلات تعطل حياتهم، فكان من الأولى من وجهة نظري أن نفتح نافذة يتنفس منها المشاهد لتَقَبُل العِبرة والسماح لها أن تسري في قلبه براحة.
أنصحكم بمشاهدة الفيلم بشدة، فأحيانا نحن نتعلم عندما نتألم، وأحيانا نتعلم بالمشاهدة ولكن أصعب التعلم هو التعلم بعد فوات الأوان.
التعليقات