الكاتب والسياسي الأمريكي باتريك بوكانان يضع أمام مجتمعه بلغة الأرقام النتائج الكارثية التي أسفرت عنها ثقافة الغرب والتي تهدد بفناء الشعوب الأوروبية، وللأسف هذه الثقافة تيم الترويج له عالميا اليوم.
وقد تناولنا في المقال الماضي جانبا من تحذيراته في كتابه (فناء الغرب ) ولكن من بين ابرز ما استوقفني في الكتاب ان مؤلفه الذي شغل منصب مستشار لثلاثة رؤساء أمريكيين، وكان أحد المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة عام 2000 ، أي انه رجل سياسي في دولة علمانية، ومع ذلك يؤكد في مختلف فصول الكتاب على الدور الحيوي للدين في حياة الإنسان، بينما نحن في الشرق نكاد نقصر خطابنا الديني على ما بعد الموت!
يقول المؤلف :عندما تفقد الأمم إحساسها بمهمتها في الحياة وتكليفها السماوي والإيمان الذي أتى بها إلى العالم... تموت، منطلقا في رؤيته لدور الدين في الحضارة الإنسانية من مقولة أساسية:(إن التاريخ يعج بحطام الشعوب التي أصبحت غير مبالية بالله وماتت... فالحضارات تنشأ من الدين وعندما تنمحي العقائد الدينية من أمة ما فإن تلك الأمة تموت) ثم ينتهي إلى خلاصة مهمة :(اقتل عقيدة أمة وسوف يتوقف شعبها عن الإنجاب بعد ذلك تدخل جيوش أجنبية أو مهاجرون ويملؤون الفراغ!) ويستدعي ما سبق أن نبه إليه نخبة كبار المفكرين والسياسيين الغربين، ومنهم جورج واشنطن أول رئيس لأمريكا الذي قال في خطاب وداعه الأخير:"لا تسمحوا للافتراض القائل إن الأخلاق يمكن صونها بدون دين" كما يحتج بمقولة ت. إس. اليوت : "إن شعباً بلا دين سيجد في النهاية أنه لا يملك هدفاً يعيش من أجله"
ويوضح أنه بسبب هذه الثقافة التي انتشرت هناك وقامت على استبعاد الدين من حياة الناس، تم إجهاض 40 مليون جنين في أمريكا فقط بين عامي 1973 و 2000 في حين أن قتلى الحرب العالمية الأولى 30 مليوناً أي ان عدد الذين قتلتهم هذه الثقافة يزيدون بمقدار عشرة ملايين عن الذين قتلتهم تلك الحرب.
ويقول أنه بعد (50) عاما سيهبط عدد سكان ألمانيا من (82) مليونا الى (59) مليون نسمة أما وإيطاليا من (57) مليونا الى (41) مليون روسيا من (147) مليونا الى (114) مليون نسمة. ومن ثمار هذه الثقافة في الولايات المتحدة الامريكية بحسب إحصاءات عام 1962:ان ربع المولودين من النساء البيض أطفال غير شرعيين! و اصبح لديهم مليونين شخص داخل السجون ، وستة ملايين مدمن على المخدرات!!
ثم يقارن بين الشعوب التي تمسكت بدينها وثقافتها في الشرق وبين الشعوب التي تخلت عن ذلك بالغرب، من حيث الحضور الديموجرافي، فيقول ان المصريين في عام 1982 كانوا 44 مليوناً وتوقع أن يصل عددهم في 2025 إلى 94 مليوناً لكنهم وصلوا إلى هذا العدد العام 2016 !! وأنه من بين الشعوب الأوروبية الـ 47، هناك شعباً واحداً يحافظ على نسب ولادة كافية لتبقيه حياً وهو شعب ألبانيا المُسلم!
فلماذا توقفت أوروبا وشعوبها عن إنجاب الأطفال…وبدأت تتقبل فكرة إختفائها عن هذه الأرض ؟ الجواب الذي قدمه المؤلف يكمن في النتائج المميتة للثقافة الغربية…والموت الأخلاقي الذي جرته هذه الثقافة على الغربيين، هذا هو الذي صنع موتهم البيولوجي فانهيار (القيمة) الأساسية الأولى في المجتمع (الأسرة) وانحسار الأعراف الأخلاقية الدينية التي كانت فيما مضى تقف في وجه الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج الزواج، والعلاقات الشاذة بين أبناء الجنس الواحد، كل ذلك دمر الخلية المركزية للمجتمع وأساس استمراره وهي (الأسرة).
اتعقد أننا نحن أبناء الشرق احوج ما نكون الى الاستفادة من هذه التحذيرات لأنه أصبح من بين جدلتنا من يتشبث بهذه الثقافة ويدعو لها ويروج لها، وإذا كان الغرب لديه مؤسسات عريقة اكاديمية وثقافية ومؤسسات ديمقراطية راسخه، تمكنه من أن يصحح نفسه، فإن الكثير من مجتمعات الشرق لا تملك هذه الإمكانيات، فما يقوله هذا الكتاب يصدق عليه المثل المصري الشهير:(الكلام لكي يا جارة) ! لذا فإننا نتساءل هل ستؤدي هذه الثقافة الى فناء الغرب أم سوف يترتب عليها أيضا غروب الشرق؟
التعليقات