تقوقعي ليس مرضاً أو كرها .. تقوقعي رفض واستغراب وتفكر واستشفاء مما أشاهده وأسمعه ، ومما يتداوله ويتعاطاه الجهلاء .. الجهلاء الذين يحسبون أنهم أصحاء وما هم بأصحاء. درسوا لكنهم لم يتعلموا .. عملوا لكنهم لم يتثقفوا .. شاهدوا لكنهم لم يتفكروا ولم يتدبروا ولم يتفقهوا .. بل تعاموا وتبعوا وانصهروا وتبخروا في ذات الوقت فكراً وعلماً وبصراً وبصيرة.
كم من مقال وكم من نصح وكم من توجيه وكم من نشر يتوجب علينا أن نقدمه حتى تستوعب تلك العقول التي في قلوبهم العمياء !!! وما الحل إن صارت القلوب عمياء ، وصارت الرؤية عتماء ، الإ من قلة رشداء لا يملكون لأنفسهم الإ تقوقعاً وقلم وأوراق بيضاء .. تعميك شدة الإمعان في بياضها الإ إذا ملأتها حبراً وحصافة ذواتي نفعٌ للكُتّاب والقراء ، وأين هم الكُتّاب والقراء الأجلاء ؟
أين هم وأين مكانتهم في هذا العالم الذي تكتسي غالبيتة الضبابية والضوضاء ، واتباع الأهواء ؟
أين هم وأين كلمتهم التي يفترض أن مداد نورها يخترق هذه الأفكار الظلماء ؟ هل هم متقوعقين مثل تقوقعي .. يكتبون ويترقبون انقشاع الغمامة الجرباء ؟
التي استمطرت وأمطرت هباء يتلو هباء .
فما شأننا في محاكمة فنانة وفنان .. ما شأننا في لاعب سهر وسكر وعربد وخان ؟
والناس تتابع وتتراسل وتتعاطف مع فلانة وفلان ، والمصيبة أدهى وأمر في تداول هذه الأخبار التي تضر ولا تنفع في القنوات التلفزيونية ، ووسائل التواصل الاجتماعي ، وعبر الصحف العربية بعناوين براقة وجذابة .. منها ما هو عاجل ، ومنها ما هو تذكير – اليوم – بتوقيت وتاريخ المحاكمة .. بئس الأخبار وبئس المحاكمة وبئس الأفكار التي تزيد عمى القلوب وتقضي على بعض الأمال.
تقوقعي حكمة ونعمة .. تقوقعي رجاء ودعاء .. تقوقعي تعجب وسؤال .. متى ينصلح هذا الحال ؟
يا صاحبي لا أحبذ هذه الأخبار ، فلقد كنت عندي مميز ، لكنك الآن أصبحت أمعة .. وا أسفاة.
عذرا على تقوقعي . عذرا على عدم التواصل .. هذا ليس تكبراً أو تجاهلاً .. هذا علاج واستشفاء ، ولسوف يبقى قلمي كاتباً ، ناصحاً ، راشداً وموجهاً إلى من يحسبون أنهم أصحاء وما هم بأصحاء ، وإلى أصحاب القلوب العمياء .. لعلهم يصحوا ويتشافوا لعلهم .. هذا واجب علي ما دمت حياً …
إنني أريد أن آخذ حقي من الحياة عنوة.أريد أن أعطي بسخاء، أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر.ثمة آفاق كثيرة لابد أن تزار، ثمة ثمار يجب أن تقطف، كتب كثيرة تقرأ، وصفحات بيضاء في سجل العمر، سأكتب فيها جملاً واضحة بخط جريء.
الأديب والروائي.الطيب صالح – موسم الهجرة إلى الشمال.
التعليقات