يجب أن نفرق بين جريمة (التحايل) التى لجأ إليها صُناع مسلسل (دنيا تانية) وعرضوا الحلقة الأولى كاملة بدون موافقة الرقابة، وبين اعتراض المجلس الأعلى للإعلام برئاسة الكاتب الصحفى الكبير كرم جبر، الذى لا ننكر قطعا حرصه على قيم المجتمع.
فى الوقت الذى ندين فيه تحطيم القوانين المنظمة لشؤون حياتنا، يجب معاقبة الخارج عن القانون، الذى تحايل بالعرض، إلا أن هناك خطورة فى تعدد أجهزة الرقابة، المفروض أن لدينا جهازا رقابيا واحدا عرفته مصر قبل أكثر من 100 عام، فى البداية كان تابعا لوزارة الداخلية، ومع قيام ثورة 23 يوليو صارت الرقابة فى منتصف الخمسينيات مسؤولية وزارة الثقافة، وهذا يؤكد دور الرقابة فى استيعاب الفن والثقافة، والدليل أن كاتبنا الكبير نجيب محفوظ تولى مسؤولية الرقابة عام 57 وضرب مثلا للرقيب الذى ينحاز للحرية، ولا يسمح بقراءة متوجسة، فى الوقت الذى كان فيه أحد الرقباء أصدر قرارا بمصادرة أغنية (يا مصطفى يا مصطفى) بحجة أنها تتغنى بزعيم الوفد مصطفى باشا النحاس، أجازها كاتبنا الكبير، ساخرا من الرقيب الهمام.
أتذكر أيضا كيف أن الراحل د. جابر عصفور، بحكم موقعه أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، لعب دورا محوريا فى التصريح بفيلم (آلام المسيح) لميل جيبسون عام 2004، الرقابة رفضته استنادا إلى مبدأ منع تجسيد الأنبياء، أجاز د. عصفور العرض على مسؤوليته، ولاقى الفيلم نجاحا ضخما وشاهده كل المصريين، والأغلبية من المحجبات اللاتى بكين تأثرا بتعذيب السيد المسيح عليه السلام، ولم يعترض بالمناسبة الأزهر الشريف.
وفى عام 2014 فى عهد (د. عصفور) تم تطبيق قرار التصنيف العمرى، وبرغم أن تكوين الرقابة الحالى لا يتناسب مع المهمة الموكلة إليها، والمفروض أن تتم إضافة عدد من أساتذة علم النفس والاجتماع وبعض القامات الفنية لتحديد الأعمار الملائمة للمشاهدة، لكن هذه حكاية أخرى.
قال لى مدير الرقابة د. خالد عبدالجليل إن سيناريو (دنيا تانية) الذى حصل على تصريح بالعرض، لا يوجد فيه المشهد الختامى فى الحلقة الأولى الذى أثار هذه الزوبعة لأنه يقع تحت طائلة (زنى المحارم) الممنوع أصلا من التناول طبقا لقوانين الرقابة، حيث تضبط ليلى علوى زوجها فى أحد الفنادق مع شقيقتها، بالمناسبة قدم المخرج المشهد الممنوع والجميع يرتدون ملابسهم كاملة.
قلت للرقيب: سبق أن قدم مسلسل (البرنس) قبل عامين (زنى المحارم) ولم تعترض الرقابة؟.
ولم أتلق إجابة قاطعة، وفى كل الأحوال يظل الأهم هو أسلوب التناول، نقف كلنا ضد الإسفاف والتردى والتجارية، إلا أنه لا يوجد فى الحياة ما هو ممنوع من التداول أو التناول، الفيصل هو الأسلوب، يجب أن نُدرك أن القنوات الفضائية العربية، التى تدخل كل البيوت بها العديد من تلك المشاهد، وإذا أصدرنا قرارا بمنع مناقشة بعض القضايا فى قنواتنا المحلية، فسوف نشاهدها على قنوات أخرى وبأيدى فنانين مصريين.
الأمر فى الحقيقة ملتبس على كل الأطراف، الشارع بنسبة كبيرة يميل لفرض مزيد من القيود، وفى نفس الوقت فإن علينا أن نقدم للناس كل ما هو (مسكوت عنه)، لكن بأسلوب لا يدعو للترويج، خيط رفيع يجب أن نُمسك به. التحايل بالعرض بدون موافقة الرقابة جريمة متكاملة الأركان، إلا أن تعدد جهات الرقابة فى أى مجتمع مأزق، علينا جميعا أن نسأل عن جدواه؟.
التعليقات