بهدوء وبساطة تشبه المدينة الساحرة الإسماعيلية، انطلقت فعاليات المهرجان الدولى للسينما التسجيلية والقصيرة في دورته التي تحمل رقم (23). افتتاح مكثف، بلا زعيق أو صخب، وبأقل الإمكانيات، وبعد كلمات قليلة، شاهدنا في الافتتاح أربعة أفلام قصيرة تعبر عن السينما في أعمق معناها. تنويعات على الرقص، عندما تُصبح الحركات الجسدية هي اللغة التي تُشكل أبجدية التواصل، تابعنا سينما، بينما نرى مهرجانات أخرى تدعمها الدولة تبدد نصف الميزانية في حفلتى الافتتاح والختام، على حساب- قطعًا- دورها الأساسى وهو السينما، وبالطبع تنشغل الوسائط الاجتماعية بالحفل الصاخب، ويتصور البعض كذبًا أن هذا هو النجاح.
عاصرت المهرجان منذ انطلاقه عام 91، من خلال المركز القومى للسينما، وبالطبع الرقم لا يعبر بالضبط عن عمر المهرجان. سقطت من الحساب نحو 7 دورات لم تُعقد بسبب السهو أو سوء التقدير.
المدينة تستحق الكثير لتصبح نافذة فنية لكل الأنشطة، مثلما كنا نتابعها في الماضى في زمن محافظها الأسطورى د. عبدالمنعم عمارة، الذي كانت لديه أحلام متعددة حقق بعضها، وأصبح في الضمير الجمعى لأهل الإسماعيلية عنوانًا على العطاء، وهو ما يجعله جديرًا بالتكريم في الدورة القادمة، حتى لو رآه البعض اقتراحًا خارج الصندوق. الحياة علّمتنا أن أصدق الأفكار هي التي تخترق الصندوق.
يترأس المهرجان، هذه الدورة، المخرج سعد هنداوى، الذي تتوفر فيه مقومات رئيس المهرجان، والتى تجمع بين القدرات الفنية والشخصية، فهو واجهة مريحة على كل المستويات، خلفًا للناقد الدؤوب الموهوب، عصام زكريا، كما تتولى قيادة المركز القومى للسينما الكاتبة زينب عزيز، خلفًا للكاتب محمد الباسوسى. كانت هناك قضيتان محل خلاف، الأولى مشاركة مخرجى المركز بأفلامهم، والثانية تواجد عدد من نجوم السينما والتليفزيون باعتبارهم من المشاركين في الأفلام الروائية القصيرة، التي يضعها المهرجان في قائمة أولوياته.
سوف أبدأ بالثانية، وهى أن يشارك بالحضور بعض نجوم الأفلام الروائية القصيرة، ولا يمكن إغفال أن أسماء من كبار نجومنا وعبر التاريخ أسهموا في خروج هذه الأفلام إلى النور، ولم يتقاضوا أجرًا، مثل هند صبرى ومنى زكى وحنان ترك وأيضًا سوسن بدر وأحمد بدير وصفية العمرى وليلى علوى، ولدينا فريد شوقى ومحمود ياسين ونور الشريف وجورج سيدهم وغيرهم، خاصة في أفلام مشروعات تخرج طلبة معهد السينما، التي أرجو أن نشاهد جزءًا منها في دورة المهرجان القادمة، طبعًا هذا الحلم مرتبط بأن تتوفر هذه الأفلام في الأرشيف، أشك كثيرًا في أننا أساسًا لدينا ثقافة حفظ التاريخ وحماية الذاكرة الوطنية.
تواجد نجم أو أكثر من هؤلاء أتصوره منطقيًا، بل مطلوبًا، على شرط ضبط وتقنين الجرعة، أقصد أن تظل الواجهة الرئيسية والعنوان الأكبر لمبدعى السينما التسجيلية.
الخلاف الأهم، الذي حسمه «هنداوى» و«عزيز»، في منح الفرصة لأفلام المركز للمشاركة في الفعاليات شأنها شأن الأفلام الأخرى.
التخوّف ارتبط في السنوات الأخيرة بأن المهرجان يُقيمه المركز القومى للسينما، فكيف تشارك أفلامه؟.
نظريًا يبدو الأمر صحيحًا، ولكن الذي يمنح الجوائز ليس رئيس المركز ولا هيئة المكتب، بل لجنة محايدة من العالم مفروض أنها تنحاز للأجمل، حتى العضو المصرى المشارك مثل هذه المرة، المخرجة ساندرا نشأت، معروف أنها لا يمكن أن تتحمس سوى للعمل الأجمل، ولو حدث عند إعلان النتيجة أن فاز فيلم مصرى، فالسبب الوحيد أنه يستحق، هذا هو العُرس الوحيد في مصر للسينما التسجيلية والقصيرة، ولا يجوز أن نحرم مبدعًا مهما بدَت المبررات من المشاركة في عُرس بلاده!!.
التعليقات