من عادات قراءة الروايات والإستمتاع بها أن يكون لك مذاقا خاصا فريدا يروق لميولك واتجاهاتك ويشبع رغباتك أيا ماكانت تلك الميول أو هذه الرغبات ،سواء كانت أدبية أم فنية أم اجتماعية أو أن يكون لك فيها نوع من الاثارة والشويق كروايات الرعب على سبيل المثال، وقد تتجه إتجاها اخر فى عوالم التاريخ والعلوم الإجتماعية وأدب السيرة الذاتية وأدب الرحلات وروايات الحب والعاطفة وغيرهم الكثير والكثير مما لايمكن حصره في هذا المكان، وبدون الخوض فى العديد من أنواع تلك الروايات المختلفة وباستخدام النظرية القائلة بأن الكتاب الجيد يتحدث عن نفسه من أولى صفحاته وربما من المقدمة المسطورة في أول الكتاب وربما من عنوانه أو غلافه الأنيق ، نتطرق في مقال هذا الاسبوع عن نوع جديد فريد ومختلف يتحدث فيه الكاتب خالد زيدان ولأول مرة عن قراءة المستقبل البعيد ويسرد فيه مجالا واسعا لأفق الخيال العلمي الذي قلما نجده فى رواياتنا العربية خلال الفترات الأخيرة، محدثا بذلك توازنا مقصودا بين مايدور في أذهاننا طيلة الوقت وبين مايكمن أن يترجم من هذا المقصود الى عالم مواز لايقل صدقا عن العالم الحقيقي الذي نحياه.
المثير للدهشة في ثنايا الرواية أمران الأمر الاول أنها أخذت على عاتقها الخوض في تاريخ الحضارة المصرية وإثبات وجود خلفية تاريخية متعلقة بمصر القديمة معتبرة أن السيـــرابــــــيــوم "اسم الرواية" هو أيضاً مفتاح اللغز ومكمن الحبكة الدرامية للأحداث المشوقة التي أبتدأت منذ صفحات الرواية الأولى وحتى السطر الأخيرمن نهايتها ،لدرجة تشعرك أن هناك بقايا للأحداث ضمن جزء ثان متخذة بذلك النهاية المفتوحة التي تروق لبعض القراء دون غيرهم /والأمر الثاني يتلخص فى المشاهد المكتوبة وكأنك تقرأ لتشاهد في نفس الحال وذات الوقت صورة مرسومة في ذهنك لتتابع الأحداث في خيالك والمقارنة السريعة جدا في أقل من فيمتو ثانية بين ما قد يتوقعه عقلك وما يمكن أن تشاهده في السطور المتتالية لأحداث الرواية ، والأدهى من ذلك القفز بالسنوات حنى نصل لعام 2053 ونحن لم نبلغ بعد نهاية العام 2020، لنصل إلى غرض واضح أراه منطقيا لإمكانية مشاهدة أحداث تلك الرواية قريبا في دور العرض بالسينما المصرية وقد يجانبني الصواب في هذا الغرض لأن تتابع أحداث الرواية لايمكن أن يسير بسهولة ويسر دون أن تجد عقلك اللاواعي وكأنه شريط سينمائي يدور بنفس سرعة الكتابة.
إستطاع الكاتب في هذه الرواية الخيالية إمكانية التعامل مع أحداثها باعتبارها عملة قابلة للتداول والإنتقال من بلد إلى آخر، لتفتح آفاقا جديدة من الخيال العلمي يمكن الترويج له مستقبلا في البلدان العربية مرسخا قبول الفكرة وإمكانية تطبيقها على أرض الواقع، وكما قال الناقد والكاتب الفرنسي الشهير رولان بارت أن الرواية الخيالية لاتعرف فقط من خلال موضوعها ولكن من خلال التخلي عن روح الجدية.
من مقتطفات الرواية كلمة أعجبتنى بشدة - " يتلخص عقاب الرب في عدم فهم رسائله " وكأن الكاتب يدور في عجلة الزمان والمكان بين ماض ومستقبل بمشاهد فلاش باك ليخبرنا أن كل مايحدث لك وكل مايدور في هذا الكون الشاسع والفضاء اللامنتهي منذ بدايته لم يكن من قبيل الصدفة أو الاختيار العشوائي ويحضرني في هذا المقال كلمة رائعة لبيل جيتس أراها مناسبة لأحداث الرواية وتقول هذه الكلمات أن الإنسان لايستطيع ربط الاحداث بعضها ببعض إلا عن طريق أحداث الماضي لتشاهد ما أنت عليه الان بكل وضوح ولكن إستطاع الكاتب أن ينتقل بتلك المقولة لأحداث المستقبل أيضا وكانك أيها الانسان المسؤل الاول والأخير عن نسج أحداث حياتك لحظة بلحظة تارة بما قررت أن تتبعه بمحض إرادتك وتارة بما قررت أن لا تتبعه بمحض إرادتك أيضا ، فلا عبث في الحياة ولا فرق بين ماضيها ومستقبلها.
لم يروق لي ضمن أحداث السرد البسيط في ثنايا الرواية بالإنتقال من اللغة العربية الفصحى الى اللغة العامية الدارجة وبالعكس مجيئة وذهابا ، فكانت ضرورة استمراية السرد باللغة العامية أمرا لامفر منه يليق بأحداث الرواية نظرا لان القارئ قد إنتقل تلقائيا إبتداء من الصفحة الخامسة عشر في مشاهدة فيلم وليس قراءة رواية كالمعتاد.
سيرابيوم هي رحلة البحث عن الحقيقة وتقصي آثارها وهي تجربة مليئة بالفضول بأعتباره أول خطوات الوصول إليها.
التعليقات