الكثير من التداعيات فى حياتنا الاجتماعية تؤكد أننا قرأنا شفرة خاطئة، والمطلوب لم يكن أبدًا ما انتهينا إليه، ستجد دائمًا مزايدات، ليس آخرها قطعًا مدرسة اللغة العربية، تابع كيف تناول الإعلام تلك الواقعة، حتى من دافع عنها لم ينسَ أن يُبرئ ساحته أمام الرأى العام، أو ما تصور أنه يشكل رأيًا عامًا، فأكد أنه خطأ (السوشيال ميديا)، أى أنه ضمنيًا يجرم الفعل ويضعه فى إطار الأفعال الشائنة، وتناسى أنه فى حياته يفعل ما هو أكثر.
تابعتم ما حدث مع فيلم (ريش)، أحد النجوم أثناء عرض الفيلم فى مهرجان (الجونة) استخدم بعشوائية ومراهقة توصيف (سمعة مصر) تبعه آخرون معتقدين أن هذا النجم يعبر عن توجه داخل الدولة، بعدها أصدرت (حياة كريمة) بيانًا مؤيدًا للفيلم، لم يكفِ هذا لتبرئة ساحة (ريش)، صدرت للمنتج تعليمات شفهية بألا يعرض الفيلم تجاريًا فى مصر حتى لا تنطبق عليه شروط الترشح للأوسكار.
أول قرار اتخذه هانى شاكر قبل نحو أربع سنوات بمجرد أن أصبح نقيبًا للموسيقيين هو تحديد فتحة صدر فستان المطربة، والمساحة المسموح بها أن تعلو فوق الركبة، ولم يتوقف إلا بعد أن وجد أنه لن يستطيع تطبيق ذلك على نجمات مثل أنغام وشيرين وآمال ماهر فتخلص من (المازورة)، إلا أنه انتقل بعدها لمطربى المهرجانات، وعندما تصدى له محمد منير وسمح لعنبة، مطرب مهرجانات، بالغناء، أسقط فورًا هانى قراره بمنع عنبة.
جزء من الأزمة أراه فى الإعلام عندما يتبرع بالتجويد والإضافة، فى محاولة أيضًا لإظهار أنه يعلم بالضبط ما هو مطلوب.
مصر دولة مدنية، هكذا أكد الدستور، أى أنها لن يحكمها فصيل دينى، ورغم ذلك نرى مزايدات تتدثر كالعادة عنوة بالدين.
قبل أسبوعين، مثلًا، مسؤولة فى وزارة الصحة قررت أن تضع معايير لزى المرأة فى المؤتمر الذى دعت إليه، ومع الأسف لم يراجعها أحد، بل وجدت أن البعض يردد: لماذا الهجوم عليها وهى لم تفرض على النساء ارتداء الحجاب؟ (يا داهية دقى) هل يصل بنا الأمر أن نحمد الله أن المسؤول لم يفرض الحجاب؟
القراءة الخاطئة تستحق منا مجهودًا مضاعفًا، وعلى كل المستويات، وإلا سوف ندفع جميعًا الثمن عندما تصبح تلك هى الصورة المعتمدة رسميًا فى الضمير الجمعى المصرى.
الدولة لم تفرض على طالبة الجامعة ألا ترتدى الفستان، ولكن هيئة التدريس أجبرت الطالبة على ارتداء البنطلون حرصًا على مستقبلها، لأنها فضحت تنمرهم عليها أثناء الامتحان، الدولة رسميًا لم تطلب من الرقابة منع كل القبلات، السينمائى بدون أن يفرض عليه أحد ذلك أصبح يمنعها من المنبع أخذًا بالأحوط. نعلم أن الطريق طويل، وأن التغيير الثقافى يحتاج إلى مرحلة زمنية ليست أبدًا بالقليلة، يجب أيضا أن يدعمه بين الحين والآخر قرارات جريئة من جهات عليا.
تذكروا ما حدث فى أغنية (يا مصطفى يا مصطفى) التى قرأها الرقيب موقنًا أنها تضرب الثورة فى مقتل، مطالبة بعودة مصطفى باشا النحاس وإسقاط ثورة 23 يوليو، واستند إلى مقطع (سبع سنين فى العطارين)، وكان وقتها قد مضى على الثورة بالفعل سبع سنوات، تصدى وقتها مدير الرقابة نجيب محفوظ وأباح الأغنية، وسخر من الرقيب (اللوذعى).
علينا جميعًا مواجهة أحفاد رقيب (يا مصطفى يا مصطفى)!!.
التعليقات