كل نشاط من شأنه خدمة الثقافة العربية يحرك بداخلي الكثير من المشاعر الإيجابية، وأى إصدار ثقافي يدرك قيمة وأهمية دوره فى المجتمع يسكب بداخلي طاقة إيجابية حد الامتلاء، الحي الثقافي "كتارا" فى مدينة الدوحة بدولة قطر أحد هذه الأنشطة التي تنير مصابيح تلك الإيجابية، هذا الحى الثقافي لا أراه يخص مكان تواجده فى دولة قطر فحسب إنما أجده قد اتسع حد احتواء كل ناطق بالعربية فى جميع الدول العربية وفى أى مكان فى العالم وذلك عبر المسابقات الأدبية التى يدشنها الحى سنويًا مثل "جائزة كتارا لشاعر الرسول" وهناك الجائزة الأدبية الكبرى فى العالم العربي "جائزة كتارا للرواية العربية"، وقبل الحديث بالتفصيل عن هذه الجائزة ودورها فى إثراء الحراك الثقافي العربي أود أن نتعرف سريعًا على هذا "الحى الصغير" فى مساحته ولكنه يتسع لاحتواء فكر وتفاعل آلاف المثقفين وهؤلاء باستطاعتهم نثر ثقافتهم إلى الملايين فى كل بقاع الأرض.
يعتبر حي كتارا الثقافي مشروع استثنائي يزخر بالآمال والتفاعلات الإنسانية، يعتبر أحد أكبر المشاريع في قطر والعالم العربي ذات الأبعاد الثقافية المتعددة، فهو مكان يزوره الجمهور للتعرّف على ثقافات العالم، عبر مسارح وقاعات احتفالات موسيقية، وقاعات عرض ومرافق أخرى متطوّرة، ويعتبر حي كتارا الثقافي الوصي على تراث وتقاليد قطر، ويسعى للتوعية عن أهمية كل ثقافة وحضارة أخرى وفقًا للفعاليات المطروحة، حيث تستضيف كتارا المهرجانات، وورش أعمال، ومعارض، وفعاليات على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي.
نشأت فكرة كتارا من حلم تكون فيه قطر منارة ثقافية عالمية تشع من الشرق الأوسط من خلال المسرح، والآداب، والفنون، والموسيقى، والمؤتمرات، والمعارض، ويكون الحي الثقافي بمثابة نظرة على مستقبل عالم يتمكّن فيه الناس من كل المرجعيات الثقافية المختلفة من تخطّي حدودهم الوطنية الجغرافية، وتبني قضايا مشتركة في دعم الوحدة الإنسانية لتكون كتارا هي ملتقى يمزج بين جمال الماضي بإشراقة المستقبل.
وقد جاء اختيار اسم "كتارا" لأنه أول وأقدم مسمى استخدم للإشارة إلى شبه الجزيرة القطرية في الخرائط الجغرافية والتاريخية منذ العام 150 ميلادي، وقد ظهر هذا الاسم للمرة الأولى في خرائط بطليموس عام 150م والتي صدرت عام 882 هـ-1477 م، وبعد ذلك ظهر الاسم في أطلس تاريخ الإسلام، أما رسالة كتارا، فتتركز بشكل رئيس على دعم التراث الثقافي ونشر التوعية وإعادة صياغة المشهد الثقافي العربي من خلال إعادة تكوين أفراد عرب ودعم مواهبهم، وإطلاق حوار حقيقي يساهم في تقوية التعايش الثقافي على مستوى العالم عبر رؤية تقوم على الريادة العالمية في الأنشطة الثقافية المتعدّدة ومنها المساهمة فى رعاية التطوّر الاجتماعي من خلال الفنّ والتبادل الثقافي والطموح لبناء مجتمع من أفراد مبدعين ومبتكرين من المثقفين الذين هم على وعي بما حولهم وعلى إطلاع بالثقافات العالمية.
يعتبر حى "كتارا" مكاناً يتعرّف فيه الناس على مختلف الثقافات لتعزيز الفهم والسلام، وفي عالم يشهد تطوراً مستمراً كان الهدف هو توفير منصّة يجتمع عليها الناس من أنحاء العالم ويشاركون بثقافاتهم المفعمة بالحيوية، وتقبّل الاختلافات التي تجعل من عالمنا فريداً من نوعه، واكتشاف نقاط التشابه التي توحّد الناس بغض النظر عن أصولهم حيث تتم دعوة الجميع بكل ودية للمشاركة في الفعاليات الثقافية. الحقيقة أرى أن هذا الحى الثقافي "كتارا" من خلال فكر مستنير يركز بقوة على تعزيز المسؤولية الاجتماعية عبر بناء علاقات مع مختلف الجهات الأخرى غير الربحية لضمان صحة وسعادة المجتمعات المحلية.
لقد عملت كتارا مع العديد من الجهات التي تقدم لهم الدعم اللازم، كما ساعدت في تنظيم المنتديات وورش الأعمال لتطوير المواهب، وكذلك المحاضرات والاجتماعات والمعارض الفنية والفعاليات الثقافية المتنوعة وغيرها. ويجدر بنا التجول في عجالة بين جنبات حي "كتارا الثقافي" حيث نبدأ من شارع شكسبير وهو من أشهر شوارع كتارا، ويوجد بالحي عدد من المطاعم مثل مطعم "خان فاروق" وهو مطعم مصري ومطعم زعفران "هندي" ومطعم ماميك "لبناني-أرميني"، وسكر باشا للمأكولات التركية، وغيرها الكثير من المطاعم والمقاهى، وفى الواجهة البحرية لكتارا "شاطئ كتارا" ثم نجد المسرح المكشوف "مسرح دراما، ستديوهات كتارا للفن، قاعة كتارا"وبعدها نتأمل جامع كتارا الكبير حيث الطراز المعماري الرائع، وأكاديمية قطر للموسيقى، والمركز الثقافي للطفولة، أوركسترا قطر، مركز بداية، جمعية القناص، المتحف العربي للطوابع، مركز الفنون البصرية، هيئة متاحف قطر، منتدى العلاقات العربية والدولية، مؤسسة الدوحة للأفلام، إذاعة صوت الخليج، مركز كتارا للفن، الجمعية القطرية للفنون التشكيلية، الجمعية القطرية للتصوير الضوئي، مجلة بروق، مجلس الشعراء، وهناك "قبة الثريا الفلكية" التى تتيح المجال للتعرف على الفضاء الخارجي بأسلوب تفاعلي يتيح للرواد فرصة توسيع مداركهم وجذب اهتمامهم بالعلوم الحديثة.
الأنشطة كثيرة والمجالات متعددة في "حى كتارا الثقافى" لكن أعود للهدف الرئيس وهو "مسابقة كتارا للرواية العربية" فقد استطاعت الرواية العربية أن تظفر بقارئ أخذته إلى عوالمها، ونقلته من واقع يعيش فيه إلى واقع الفضاء الروائي الذي قوامه السحر والدهشة، المكان فيه أكثر اتساعاً، والزمان متحرر من المكان.
آراء كثيرة ظهرت حول نشأة الرواية، وبرغم تضارب الآراء، فقد استطاعت الرواية العربية أن تثبت شرعيتها الفنية، وتفاعلت مع متغيرات العالم الجديد في بداية القرن العشرين، وكتبت ذلك الزمن بكل أحزانه وأفراحه، واستأثرت بالمكانة الأولى في أدبنا الحديث. والمنطلق الذى خرجت منه هذه المسابقة من "حي كتارا الثقافي" يرتكز على رؤية أن الروائي العربي كان وما يزال مصدراً للإبداعات الثقافية والفنية، وساهم في إثراء الموروث الثقافي العربي والعالمي من خلال ترجمة كثير من الأعمال إلى لغات عدة.
فالنصوص الروائية هي مبانٍ من القيم والمبادئ الإنسانية يتم تشييدها بواسطة اللغة وهي منتج حضاري يثري الثقافة الإنسانية بتنوع مخزونه وتعزيز تراثه الثقافي من أجل تطوير المجتمع العربي وتقدمه، فكانت "جائزة كتارا للرواية العربية" وهي جائزة سنوية أطلقتها المؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا" في بداية عام 2014، وتقوم المؤسسة بإدارتها وتوفير الدعم والمساندة والإشراف عليها بصورة كاملة من خلال لجنة لإدارة الجائزة تم تعيينها لهذا الغرض وتهدف الجائزة إلى ترسيخ حضور الروايات العربية المتميزة عربياً وعالمياً، وإلى تشجيع وتقدير الروائيين العرب المبدعين للمضي قدماً نحو آفاق أرحب للإبداع والتميز، مما سيؤدي إلى رفع مستوى الاهتمام والإقبال على قراءة الرواية العربية وزيادة الوعي الثقافي والمعرفي.
وقد أضحت جائزة كتارا للرواية العربية صرحاً لنشر الرواية العربية المتميزة، ومنصة إبداعية جديدة في تاريخ الرواية العربية تنطلق بها نحو العالمية، ولا شك أنها تحولت إلى داعم ومحفز رئيس في تعزيز الإبداع الروائي العربي ومواكبة الحركة الأدبية والثقافية العالمية، مع تعزيز ودعم أدب الرواية العربية للارتقاء الإنساني بقيم الحق والخير والجمال وتأكيد الهوية الحضارية العربية من خلال ملتقى إبداعي لإثراء الوعي الثقافي، والتعريف بالروائيين والنقاد العرب، وإبراز الدور الحضاري البناء الذي يقوم به الروائيون والنقاد العرب في إثراء الثقافة الإنسانية عامة والأدب العربي خاصة، وتعزيز الحوار بين الحضارات، وبناء روح التقارب بين الأمم من خلال ترجمة الروايات للغات متعددة، وأيضًا المساهمة في نشر وتكريم الثقافة العربية من خلال الرواية والإبداع الكتابي.
ولم تغفل الجائزة عن تقدير الروائيين والنقاد الذين أسهموا في إثراء الثقافة العربية من خلال أعمالهم المتميزة، وتشجيع إبداعات الشباب وتحفيزهم، وخلق روح التنافس الإيجابي في الحقل الأدبي، وتشجيع دور النشر العربية على التميز بغية الوصول إلى مشروع حضاري وثقافي عربي رائد، بالإضافة إلى تدشين ما يعرف باسم "دليل الروائيين العرب" الكترونيًا والذى يضم نبذة عن معظم أدباء العرب مرتبة باسم كل دولة، كما تم أيضًا تصنيف صفحة خاصة تحت اسم "مكتبة الرواية" للحديث عن الإصدارات الروائية، ومؤخرًا تم إصدار مجلة ورقية فصلية باسم "سرديات .. مجلة كتارا الدولية للرواية . مجلة فصلية علمية مُحكمة" وهى خطوة ثقافية مهمة للغاية في طريق الرواية العربية.
إننا باختصار أمام حراك ثقافي قادر على استيعاب العديد من الثقافات والرؤي وخلق روح تنافسية تنطلق إلى أفاق أشمل وأفضل ومستقبل أكثر رحابة عبر فكر جديد .. فكر مستنير.
التعليقات