ظهور الإسلام رفع من شأن القراءة والكتابة؛ وزاد فى أنتشارهما والنبى صلى الله عليه وسلم؛ حمل القرآن إلى الناس وأمر النبى صلى الله عليه وسلم الوالدين أن يعلما أولادهما وأمر الذين يعرفون العلم والذين لا يعرفون أن يتعاونوا فى طلب العلم.
ولم يكتف النبى صلى الله عليه وسلم بالأوامر والوصايا؛ بل ترجمها إلى واقع عملى فأرسل المعلمين الدعاة؛ إلى كل بلد من البلاد التى بلغتها دعوة الإسلام ليعلموا الناس هناك .
وفى أول بادرة لارساء قواعد الدولة الإسلامية فى المدينة المنورة؛ سن الرسول صلى الله عليه وسلم أول قانون لمحو الأمية فى المجتمع الجديد ؛فعلى أثر غزوة بدر الكبرى أسر المسلمون سبعين أسيرا فكان يفادى بهم على قدر أموالهم.
فمن لم يجد له فداء وكان يجيد الكتابة ؛طلب منه تعليم عشرة من أبناء المسلمين الكتابة؛ فكان زيد بن ثابت ممن علم.
فكان أول سنة نبوية لمحو الأمية ؛فى المجتمع الإسلامى الجديد ؛وبعد ذلك صار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أول مدرسة لتعلم المسلمين .
وكان من بين معلميها الصحابى عبد الله بن سعيد بن العاصى يعلم أبناء المدينة الكتابة والقراءة؛ وكان نتيجة هذا النشاط العلمى والتعليمى أن الكتابة أنتشرت فى معظم جزيرة العرب؛ قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبهذا تكون مسيرة محو الأمية فى ظل التربية الإسلامية؛ قد قطعت أشواطا بعيدة فى سبيل القراءة والكتابة ؛ وتحرر المسلمون من قيود الأمية؛ والجهل فى فترة قياسية .
جاء الإسلام والمجتمع العربي تغلب عليه الإمية في الكتابة؛ تلازمها في الأمية الحضارية؛ وقد أشار القرآن الكريم إلى هذين المصلحين في مضمون الأية الكريمة : ((هو الذي بعث في الأمتين رسولا منهم يتلو عليهم آيات و يزكيهم ضلال مبين)).
إذن فهو مجتمع أمي يقف جهله بالقراءة والكتابة؛ عقبة في سبيل تقدمه؛ وقد طغت على المجتمع الجاهلي أيضا؛ الأمية الحضارية التي اوجز ملامحها جعفر بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) في مقابلته نجاشي الحبشة بقوله : (أيها الملك كنا قوما أهل الجاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميته؛ وناتي الفواحش ونقكع الأرحام و نسئ الجوار و يأكل القوى منا الضعيف )!
ولا شك أن هذه الصفات والسلوكيات تدل دلالة واضحة؛ على مدى التخلف الحضاري الذي كان يعاني منه المجتمع العربي ؛حين ظهور الأسلام فأراد الله سبحانه وتعالى أن يتم نعمته على هذا العالم فأختار نبيه محمد ( صلى الله عليه و سلم ) و هو أمي و بعثه رسولا أميا لمجتمع أمى.
لكن رسالة الإسلام لا يمكن أن تقرأ هذا الوضع وهى تريد أن تخرج تلك الأمة؛ من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام ؛ صلى الله عليه وسلم يأمره بالقراءة:(أقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق أقرأ وربك الإكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ).
وقد أستوعب الرسول صلى الله عليه وسلم معانى هذه الأيات بأدق تفاصيلها؛ فكان صلى الله عليه وسلم يتلو كل جزء ينزل عليه ويعلمه للسامعين.
أن أخطر ما يعوق الإنسان هو الجهل؛ حيث يكون الإنسان على غير وعى؛ بما يدور حوله من قضايا وهموم وحركة حياتية متغيرة .
وأول مراتب العلم هى تعلم القراءة والكتابة؛ أو ما نسميه ( القضاء على الأمية)؛ ولكن قد يتعلم الإنسان القراءة والكتابة.
ثم يظل أميا هى إدراكه وهى قراءته للأشياء من حوله؛ التى يفتقد فيها عنصر الثقافة والمعرفة؛ التى تتسم بالشمول والتغيير.
فإن تعلم القراءة والكتابة ما هو إلا خطوة أولى على طريق العلم والمعرفة ؛تأتى بعدها خطوات لا غنى عنها.
فالمرأة غير المتعلمة؛ لا تقدر على تنشئة أبنائها تنشئة سليمة؛ لكى تعطى للوطن مواطنين صالحين؛ ذلك لأن فاقد الشئ لا يعطيه .
والحقيقة أن الأمة التى تتفشى فيها الأمية؛ لا يمكن أن يكون لها وزن أو مستقبل؛ بين الأمم ذلك لأن الصراع الآن صار صراعا حضاريا وعلميا.
ونحن لا نعبأ كثيرا بالمستقبل؛ وكأننا لا نعيش فى ألفية ثالثة صارت الغلبة فيها للعلم؛ ولابد أن نعتبر من التاريخ ومن واقع الأمم التى نهضت من كبوتها؛ وأستردت عافيتها وصارت بالعلم والمعرفة رائدة فى كثير من المجالات.
التعليقات