تقول إحدى نظريات الكاتب والفيلسوف الفرنسي سارتر "إن التقييم الحقيقي لأي فنان لايتحقق الإ بعد وفاته، فعندئذ تكون أعماله قد أكتملت، ويساهم كل عمل منها في إلقاء الضوء على الأعمال الأخرى".
أعتقد بما لايجد مجالا للشك أن هذة النظرية طبقّت ومازالت تطّبق بحذافيرها في مجتمعاتنا العربية إلا مارحم ربي وأتخيل أننا مازلنا نمتلك العديد من المواهب والكوادروالشخصيات الفنية التي أثْرت عالم الفن في مصر والعالم العربي بما يمثل فرصة لازالت قائمة لإثبات خطأ هذة النظرية بكل المقاييس.
في هذا الكتاب الذي يفوق تعريفه بكونه مذكرات شخصية أو سيرة ذاتية يحدثنا سمير صبري الممثل والمحاورالبارع والفنان والمغني والإذاعي وصاحب فرقة الاستعراضات الموسيقية والمنتج كذلك أيضا لبعض الأفلام أواخر فترة الثمانينيات وأوائل التسعينات ومقدم العديد من البرامج التلفزيونية وعلى رأسها "برنامج هذا المساء" وبرنامج "النادي الدولي" عن بداياته في عالم الفن وكواليس فترة عمرية أمتدت نحوأكثرمن خمسين عاما من العطاء والموهبة الحقيقية.
المدهش في ثنايا هذا الكتاب الذي لم تتجاوز صفحاته الثلاثمائة صفحة أنه يجذبك جذبا لمعاودة الإستمتاع بمشاهدة كنوز أفلام الأبيض والأسود التي شارك فيها أو لم يشارك فيها على حد سواء وبلا إستثناء فهو يؤرخ إما لبدايتها أو نهايتها و يحكي ويسرد القصص والأقاويل التي نسجت حولها و يتحدث عن أبطالها التي تربطه بهم علاقة قوية ومتينة أستطاع فيها أن يطورتلك العلاقة ويحافظ عليها بلا أستثناء وكأنه سفير الفنانين والفنانات في هذا الوقت.
يتحدث سمير صبري في بداية الكتاب عن رحلة البحث في ذاته وعن بداية علاقته بالفنان عبدالحليم حافظ حيث كان يقطن في نفس العمارة التي يقطن بها العندليب والذي كان للأخير الفضل في ظهوره لثوان معدودة عندما أخذه العندليب في سيارته لحضور تصوير مشهد في فيلم "حكاية حب" الذي يغني فيه "بحلم بيك" والمتضمنة مشهد لقاء مع الإعلامية اللامعة أمال فهمي في برنامجها الشهير "على الناصية" لبطل الفيلم أحمد حمدي ( عبدالحليم) وتشجع الكاتب طالبا من العندليب الوقوف مع المجاميع التي يغني بها هذه الأغنية الخالدة وكان ذلك اليوم أول وقوف للكاتب أمام كاميرا السينما.
يتطرق الكتاب الى ستة وثلاثون قصة أخرى ممتعة وشيقة مع كبار نجوم السينما والشاشة فيحكي أنه قام بتعليم قيادة السيارة لسندريلا الشاشة سعاد حسني عندما هاتفته بشرائها لسيارة جديدة ماركة فيات وأنها قد إستلمت السيارة وهي لم تتعلم القيادة بعد فقام سمير صبري بتعليمها فن القيادة في حديقة سان ستيفانو العريقة بمدينة الأسكندرية ، كما يتطرق إلى علاقته بالموسيقار محمد الموجي مكتشف النجوم والذي قام بتقديم الفنان هاني شاكر والفنان علي الحجار للجمهور لمنافسة العندليب في فترات الخلاف المتكرر بين الموجي وحليم ، ويطل علينا كذلك بملك العود فريد الأطرش واصفا أخلاقه بأخلاق الملوك والأمراء ويحكي سر أرتباط فصل الربيع بفريد ، كما يأخذنا الكاتب مع صديقة عمره الإسكندرانية الأهلاوية بولا – نادية لطفي ويصفها بالشخصية الخجولة جدا لأبعد الحدود التي قد يتخيلها القارئ وذلك عندما وقفت أمام خشبة المسرح في احتفالية لنادي الزمالك بفوزه بإحدى البطولات وقالت أنا أهلاويه ونسيت أن تكمل باقي الجملة " وجيت أحييي نادي الزمالك" وأنقلب المشهد على المسرح وعند سؤالها عن عدم قيامها بإستكمال باقي الجملة أمام جمهور الزمالك قالت بكل برآة تحسد عليها أنا مبعرفش أقف على المسرح وبترعب جدا من الناس!
في جولة أخرى من صفحات الكتاب يتحدث الكاتب عن أناقة وشياكة عبد الوهاب ومدى إلتزامه بالمواعيد وكذلك رأيه عن أكثر مايعجبه في المرأة كما يحكي أيضا قصة أغنية " بلاش تبوسني في عينيا " وسر أرتباط هذه الأغنية بوالدة عبدالوهاب عند زيارته لها ، ليطوف في جولة شيقة أخرى مع سومة " أم كلثوم" وسبب الخلاف الذي كان بينها وبين العندليب والذي أنتهى تماما في حفل زفاف هدى عبدالناصر عندما دخل حليم وقّبل يد أم كلثوم لينتهي الخلاف في تلك الليلة ، ولا ينتهي الحديث عن نجوم الطرب والغناء الأصيل بدون ذكر الأنثى الساحرة "أسمهان" عندما قدمت المطربة عاليا أغانىها مع فريد الأطرش الذين يحبهما السادات (أسمهان وفريد) لأن السادات كان يغني لخطيبته جيهان أغنية فريد الأطرش " ياريتي طير وأنا طير حواليك" علاوة على جولة أكثر متعة مع الزعيم عادل أمام وذكريات فيلم " البحث عن فضيحة " والكلمة التي علقت في أذهان الناس ( ده واحد صاحبي متعرفوش).
الكتاب لم يتطرق فقط الى نجوم الفن والسينما والمسرح بل تجاوزذلك ليلقي الضوء عن حوارات الكاتب مع الملوك والأمراء ورجال الدين ، مع الملكة فريدة التي أخبرته بأنها تعيش أحلى أيامها لعودتها الى بلدها مصر بعد موافقة السادات لمنحها هي والأميرات جوازات سفر مصرية ومع الشيخ زايد رحمة الله عليه عندما غنى سمير صبري أمامه أغنية "ياصلاة الزين ياصلاة الزين على زايد" ومع البابا شنودة الذي كان مثالا يحتذى في الأخلاق ولايخلو من الفكاهة والدعابة، ومع السلطان قابوس عاشق شكسبير والذي تخرج في كلية ساند هيرست أعرق الكليات العسكرية في أنجلترا والكثيركذلك مع شادية " فاطمة شاكر" والشحرورة "جانيت فغالي" وميرفت أمين والفنانة وردة وليلى بنت الأكابر وتحية كاريكوكا وهند رستم و شريهان وفاتن حمامة وكمال الشناوي المغرم والحديث لاينتهي.
من هذا المكان أدعو بسرعة الاستجابة لتكريم صاحب هذة الموسوعة الرائعة الفنان سمير صبري في حياته إمعانا في تكذيب مقولة سارتر- أول المقال - فقد سطر في صفحات الكتاب ذكريات لاتنسى لعظماء عاشوا بيننا ورحلو عنا.
التعليقات