في سنة ١٥١٦ ألف توماس مور كتاب عن مدينة فاضلة وأسماه يوتوپيا وهي كلمة لاتينية وهي تعني (اللا مكان).
توماس مور - لمن لا يعلم - هو سير إنجليزي وكان مستشار للملك هنري الثامن.
في يتوپيا مور البطل هو رحالة يدعى رافائيل هيثلوداي وهو يحكي عن المدينة بعد أن عاش فيها خمس أعوام.
أبتكر مور و تميز في كتابه ونسبه لمكان لا وجود له وأستند الي حقائق غير حقيقة.
فقد تخيل يوتوپيا جزيرة بها نهر لا ماء فيه ولها أمير لا شعب له وبها سكان بلا مدينة و لهم جيران من شعب أخر بلا بلد مما جعل يوتوپيا توماس مور كلها تضادات وأشار أن هذه المدينة ليست خيالية وأنها موجودة في مكان ما ولكننا لا نعرفه.
مع كل ما في يوتوپيا مور من أمور غير تقليدية إلا أنها مدينة بلا أي ملكية خاصة ولا تخصيص للأملاك في قوانينها وفيها العدل والمساواة هما أساس للتعايش.
يوتوپيا مور بها أربعة وخمسون مدينة يشبهون بعضهم البعض بالضبط ولها عاصمة واحدة مختلفة، كل شوارعها لها نفس العرض وأبواب بيوتها بلا أقفال.
مع كل عقد من السنوات تترك الناس بيوتها وتنتقل لبيت أخر حتي يكون كل شخص قد عاش في أكبر عدد من البيوت و الأحياء ليأخذ صفة المواطنة ويصبح مواطن من يوتوپيا.
جميع الناس ترتدي زياً موحداً ولا يظهر أي فروق أجتماعية بينهم، يعملون ستة ساعات وينامون ثماني ساعات.
في الصباح يدرسون لبعضهم البعض ولا يوجد غير شيء وحيد يميز بينهم وهو القدرات العقلية، حيث يُنتخب ذوي القدرات العالية كرجال معرفة نظراً لتفوقهم الفكري.
عندهم قواعد أجتماعية وأسرية خاصة جداً، أهمها أن يعيش الأولاد في بيوت أباءهم حتي لا يستطيع المنزل أن يستوعب عدد أكبر فتبنى فروع ثانوية جديدة في المدينة.
في عام ٢٠٠٨ كتب د.أحمد خالد توفيق كتاب أيضاً أسمه يوتوپيا، ولكن يوتوپيا العّراب لا علاقة لها بيوتوپيا توماس مور.
وفيها تخيل مصر في سنة ٢٠٢٣ ( أي بعد سنتين من الأن وخمسة عشرة سنة من وقت نشر الرواية ).
في روياته قسم المجتمع الي طبقتين لا ثالث لهما، الطبقة الأولي بالغة الثراء وتعيش في مدينة أسمها يوتوپيا وهي محاطة بالأسوار والسلك الشائك وموقعها علي الساحل الشمالي ويحرسها جنود المارينز الأمريكان.
لا صحف عامة فيها، كلها خاصة فيها أخبار مجتمعهم فاحش الثراء.
كل شيء عند الطبقة الثرية مختلف حتي أنواع المخدرات وأهمها مخدر ( الفلوچاستين ).فهم لا يعتمدون علي الوقود أو البنزين الذي نعرفه فعندهم مادة ثانية أسمها ( البايرول )، وبسبب أعتماد الأغنياء عليها أصبح البنزين لا قيمة له.وبالتبعية لا قوة ولا نفوذ للدول التي تملكه.
في عهد يوتوپيا العّراب أصبحت أسرائيل صديقة وتُبني فيها قناة ملاحة كبيرة وتصبح دولة قوية ولها حلفاء من دول غنية .
الطبقة الثانية تعيش في مدينة أسمها مدينة الأغيار، وهي مدينة بها فقر متقع وعشوائيات، لا ماء فيها ولا كهرباء ولا خدمات.
يذبحون فيها الكلاب ويأكلوها مع عظام وهياكل الدجاج. والدعارة فيها مقننة وتمتهنها النساء في وضح النهار.
لا وسطية بين الطبقتين، واحدة فيها كل شيء والثانية لا شيء فيها وبين الأثنين نفق يربط بين العالمين حفره الأغيار و اليوتوپين لا يعلمون بوجوده.
التسلية الوحيدة عند أهل يوتوپيا هي أنهم يصطادون أحد الأغيار الفقراء ويعذبونه و يطاردونه في الصحراء و يضربون عليه نار من طيارتهم ثم يقطعون جزء من جسمه و يحنطوه علي سبيل الفخر والتذكار بالمغامرة.
تبدأ القصة في يوم من الأيام عندما أخذ علاء ( وهو أحد أغنياء يوتوپيا ) صديقته متجهاً لمدينة الأغيار ليصطادوا فريسة، عندما علم الأغيار أنهم من يوتوپيا قرروا الأنتقام منهم، ثم تتوالي الأحداث ويلتقون بشاب متفتح ومتعلم أسمه جابر من الأغيار يساعدهم علي الهروب الي يوتوپيا عبر النفق ولكن علاء يقتله بعد أن يصلوا له ويأخذ ذراعه تذكار.
يعود علاء وصديقته ولا يحكون أي تفاصل، وبعد عدة أيام يحدث تمرد من الأغيار ويقطعون طريق سيارات عملاقة محملة بالبايرول ويخدرون السائقين ويملئون العربات بمياه المجاري بعد التخلص من وقود البايرول الذي كان فيها.
يفيق السائقون ويكملون طريقهم وعند وصولهم تُملأ كل طائرات وسيارات الأغنياء بالبايرول المغشوش فتتلف مواتيرها ويُحبس الأغنياء وتتحدد أقامتهم الجبرية في مدينتهم الفاحشة الثراء .
في الفصل الأخير من الرواية بيبدأ الأغيار في التقدم ناحية يوتوپيا في ثورة قادمة من مدينة الفقراء الي مدينة الأغنياء المحصنة وهنا يتوقف المؤلف عند هذا المشهد وتنتهي القصة المكتوبة و بيبدأ القارئ بتكهن وأستنتاج النهاية.
عندما كتب أحمد خالد توفيق هذه القصة في عام ٢٠٠٨ ( من حوالي ثلاثة عشرة سنة) صّرح وقتها أنه تعمد المبالغة في تخيل و وصف الأحداث حتي يصل المعني المطلوب للقارئ.
ولكن عندما تقرأ الرواية اليوم سترى أنه لم يبالغ.فنحن اليوم نعيش وقت ضاقت فيه الفجوة بين الغني والفقير وأنكمشت الطبقة المتوسطة وتحركت نحو الأسفل.
و مع أن أحداث الرواية في المستقبل، لكننا بأحداثنا المتسارعة والدينامكية قد نسبقها.
عندما قرأت القصة في السابق تعجبت من خيال العّراب الواسع ولكنني اليوم وبعد كل ما نمر به أسأل نفسي هل سأكون في يوتوپيا أم في مدينة الأغيار؟
الرواية جميلة جداً من وجهة نظري لكاتب عنده ملكة الاستبصار والقدرة على توقع الأحداث قبل وقوعها.
شتان بين يوتوپيا توماس مور و يوتوپيا العّراب ، وبين هذه وتلك نسمع جرس أنذار عالي جداً يحكي عن مدينة غير واقعية وأخرى غير آدمية.
التعليقات