في يوم من الأيام في الغابة كان الحمار والنمر يتمشون سوياً، وفي أثناء نزهتهم قال الحمار للنمر: ما رأيك في هذا العشب الأزرق الجميل الذي حولنا؟ فأجابه النمر:أن هذا العشب جميل فعلاً ولكنه أخضر وليس أزرق.
أحتدم النقاش بينهما فقررا عرض الموضوع على الأسد ملك الغابة ليحكم بينهما.
عندما اقتربوا من الأسد وجدوه جالساً على عرشه فذهب الحمار له وقال صارخاً: سموك ، أليس صحيح أن العشب أزرق؟
فأجابه الأسد بكل ثبات: أن لك عينين لتعرف ذلك، فإذا كنت تعتقد أن ما تراه صحيح فليكن العشب أزرق.
أندفع الحمار إلى الأمام والأبتسامة تعلو وجهه وقال: النمر يختلف معي في هذا ويصّر أن العشب أخضر ويزعجني كثيراً، الرجاء معاقبته .
صمت الملك قليلاً ثم أعلن: سيعاقب النمر بثلاثة أيام من الصمت التام.
وهنا قفز الحمار بفرح ومضى في طريقه راقصاً وهو يردد:العشب أزرق ، والعشب أزرق وأخذ يغنيها.
بعد أنصراف الحمار سأل النمر الأسد قائلاً: يا جلالة الملك ، لماذا عاقبتي وأنت علي يقين تام أن العشب أخضر؟
فأجابه الأسد: ليس لعقابك أي علاقة بسؤال هل العشب أزرق أم أخضر. العقوبة التي فرضتها عليك لسبب آخر، فسأله النمر ما هو السبب؟ فقال له: أنه شيء مهين جداً لمخلوق شجاع وذكي مثلك أن تضيع الوقت في الجدال مع الحمار، وليس ذلك فحسب بل أتيت وأزعجتني بهذا السؤال لمجرد التحقق من صحة شيء كنت تعرفه بالفعل!.
أن أكبر مضيعة للوقت هو الجدال مع الأحمق والمتعصب الذي لا يهتم بالحقيقة أو بالواقع والذي لا يري سوى ما يريد أن يراه، هذه النوعية لا يعنيها سوى أنتصار معتقداتها حتي أن كانت أوهاماً من صنع خيالهم.
هنا تصبح المناقشات معهم أضاعة للوقت وأحاديث لا معنى لها ولا طائل من وراءها.
هناك أشخاص يفكرون مثل هذا الحمار في قصتنا السابقة، لا يتزحزحون عن رأيهم على الرغم من كل الأدلة المقدمة لهم أنهم ليسوا علي صواب، يجادلون ويتمادون في تصديق ما هو غير صحيح بشهادة الجميع الأ أنفسهم، لا أعلم هل ليس لديهم القدرة على فهم ما يقوله لهم الآخرون أم هم فقط من المتعنتين الرافضين للمنطق المدعم بما يروه بأعينهم أم هم يعانون من ظاهرة الإنكار حتي وأن كانت الأشياء واضحة وضوح الشمس، هؤلاء الفئة أعمتهم عيونهم عن مشاهدات لا يختلف عليها الطفل الذي لا تجربة له.
الشيء الوحيد الذي يريدونه هو أن يكونوا على حق مهما حدث ومهما كانت الحقيقة.
عندما نقابل هذه النماذج في حياتنا علينا أن نتعامل معها بالصمت التام، كما نصح الأسد النمر، ولنتركهم يصدقوا ما يصدقوه - لتكن سماءهم خضراء وعشبهم أزرق وبحارهم وردية اللون.
أن دورنا في حياتهم يتلخص في أن نمنع جدالهم معنا من الحدوث.
أن هناك أمور في هذه الحياة يمكن الأختلاف فيها وثقافة الأختلاف في حد ذاتها أبلغ دليل علي وجودية أمور الرفض لها أو الألتفاف حولها وارد، ولكن المسلمات من الأمور لا تندرج تحت هذه القائمة.
قد نختلف في وجهة نظر سياسية أو حول موضوع ديني أو علي فريق كرة القدم أو أيهما أفضل فصل الصيف أم الشتاء وهل العيون الخضراء أجمل من السوداء أم لا…ولكننا عندما نختلف علي المسلمات كأن نجادل أننا نري من أنوفنا ونسمع من أعيننا فهذا ليس أختلاف، أنه بداية خلاف بيزنطي من النوع الذي يستهلك طاقتنا، وفي هذه الحالة يصبح الصمت التام أفضل ما يمكننا فعله لسلامنا النفسي - سلامنا النفسي مهم والحفاظ عليه يصون عقولنا وقلوبنا من تفاهات المجادلين، فمرحى لهم العشب الأزرق ومرحى لنا الصمت التام.
التعليقات