توجد معارضة شديدة فى إسرائيل؛ للكشف بشكل موثق عن الرؤية العامة والنظرية للسياسة الأمنية؛ لها وذلك لما توفره السرية والغموض من تشويش على الدول العربية؛ وتجنب الخلافات العميقة فى الرأى بين الإسرائيليين حول قضايا رئيسية مثل تحديد أهداف ونوايا العرب وأهمية المناطق المحتلة أمنيا لإسرائيل وجاءت القاعدة الأساسية والهامة فى النظرية الأمنية لإسرائيل؛ لتعبر عن حقيقة جوهر الصراع العربى الإسرائيلى؛ وتؤكد عليه بأعتبار أنه ليس مجرد صراع؛ على قضية تعارض فى المصالح كالخلاف على الحدود؛ أو حول حقوق الملاحة والصيد فى الممرات المائية؛ كما هو حال النزاعات القائمة بين الدول؛ ولكنه صراع تاريخى ومصيرى عميق الجذور؛ شامل وغير محدود.
يتضح ذلك من تأكيد جميع حكومات إسرائيل؛ منذ نشأتها على مزاعم حول حقوق تاريخية وطبيعية؛ لها ليس فى فلسطين فقط؛ ولكن أيضا فى الدول العربية الأخرى؛ فيما يسمى بإسرائيل الكبرى.
برز ذلك فيما يسمونه فى إسرائيل (ميثاق الأستقلال)؛ وكان طبيعيا أن تقابل مثل هذه المزاعم بالرفض العربى؛ لما تشكله من تهديدات ومخاطر على كيانات الدول العربية ذاتها إذا ما وافقت هذه الدول على ابتلاع إسرائيل لفلسطين وهو ما حصل بالفعل حيث أصبحت تطالب إسرائيل بعد ابتلاعها فلسطين باراضى فى الجولان السورية وفى جنوب لبنان كما استأجرت أراضى فى شرق الأردن .
من هنا برزت شرعية المعارضة العربية لقيام الكيان الإسرائيلي اصلا فى قلب المنطقة العربية وهى معارضة قوية ومنطقية ومتأصلة فى الوجدان العربى وتتوارثها الأجيال العربية.
بل ترجع هذه المعارضة (لأسباب عقائدية) مسلمون مقابل يهود و(أسباب ثقافية) الشرق مقابل الغرب و(أسباب عرقية) عرب مقابل جنسيات أخرى وافدة على المنطقة من مختلف أنحاء العالم و(أسباب اجتماعية) أغلبية عربية فى مقابل أقلية إسرائيلية و(أسباب اقتصادية أطماع إسرائيلية فى الأراضى والمياه والثروات العربية و(أسباب نفسية) تتمثل فى مشاعر حادة لدى اليهود بالدونية والاضطهاد وقبل كل ذلك وبعده أسباب تتعلق بالمصير والبقاء .
ومنذ نشأة إسرائيل فى عام ١٩٤٨ وحتى أوائل التسعينات اتبعت إسرائيل فى حروبها نظرية أمن تعتمد على ضرورة تمتع الجيش الإسرائيلي بتفوق على الجيوش العربية فى أنظمة التسليح والتنظيم والتدريب وأنظمة القيادة والسيطرة والمخابرات وفى الروح المعنوية.
والأعتماد على حجم محدود من القوات النظامية العاملة فى مقابل حجم أكبر من قوات الاحتياط يؤمن استدعاؤهم فى لحظات التوتر أنظمة متطورة للانذار والتعبئة ورفع حالات التأهب القتالى وذلك بالاعتماد على أنظمة التسليح ذات الخصائص الهجومية .
وتعويض الافتقار إلى العمق الاستراتيجي الذى تعانيه إسرائيل بسبب صغر مساحتها وذلك بإيجاد عمق اصطناعي من خلال شبكة المستعمرات المحصنة التى أقامتها إسرائيل فى مناطق حدودها وداخلها وفى الأراضي العربية المحتلة باعتبارها خط الدفاع الاخير لإسرائيل .
فقد كانت حرب ١٩٤٨ بهدف تثبيت استقلال إسرائيل (فى قلب فلسطين) ثم حرب ١٩٥٦ وقائية استهدفت اجهاض عملية تطوير القوات المسلحة المصرية بعد حصولها على صفقة الأسلحة التشيكية عام ١٩٥٥ .
بالنسبة لحرب( سلام الجليل) ؛فى لبنان ١٩٨٢ فقد كانت تجسيدا للحرب الوقائية؛ والتوسع فى آن واحد؛ حيث قضت إسرائيل على قوات المقاومة الفلسطينية؛ فى جنوب لبنان؛ ثم انشئت حزاما أمنيا فى الجنوب اللبنانى؛ بعمق ٤٠ كم احتلته بمزيج من قواتها وقوات جيش لبنان الجنوبي الموالي لها .
وقد اكتشف قادة إسرائيل وخبراؤها الاستراتيجيون؛ الثغرات
العديدة فى نظرية وسياسة الأمن القومى؛ عقب هزيمة إسرائيل فى حرب ١٩٧٣ ؛نتيجة الوهم الذى أصابهم بسبب انتصارهم فى حرب ١٩٦٧.
حيث تغير الهدف القومى إلى التمسك بالأراضى العربية؛ التى احتلتها إسرائيل فى الضفة والجولان وسيناء وغزة؛ واعتبار الخطوط التى وصلتها قواتها بمثابة حدود دائمة لإسرائيل؛ وكان هذا التطور سببا فى نشوب حرب أكتوبر (يوم الغفران) .
ولقد جاء القرار الإسرائيلي بالدخول فى عملية السلام ؛من منطلق ما ثبت من أنه ليس هناك خيار أمامها سوى مواصلة التحدى على طريق الحل الإقليمى؛ من أجل تحقيق سلام يحقق لها الأمن .
فمنذ عام ١٩٤٨ وحتى اليوم خاضت إسرائيل خمس حروب ؛خسرت فيها الكثير بشريا وماديا؛ ولازالت تتعرض لضربات من المقاومة العربية! لم تقتصر فقط على المناطق المحتلة بل انتقل الضرب إلى عمق كيان إسرائيل ذاته؛ ولأول مرة يحدث اغتيال لرئيس وزراء اسرائيل ( اسحق رابين) بيد واحد من الإسرائيليين؛ وهو ما أكد حقيقة التفسخ الذى يعانيه المجتمع الإسرائيلى .
ولا يزال المجتمع الإسرائيلى؛ يئن من وطأة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية العديدة التى تعصف به .
التعليقات