لعبت المرأة المسلمة دوراً حيوياً في الهجرة النبوية الشريفة، وفي مختلف المراحل لبناء دولة الإسلام، ولعلنا نتذكر ان بيعة العقبة الثانية،كان من بين المبايعين فيها لمحمد بالنصرة بعض النساء فهناك بعض السيدات العظيمات، اللواتي شاركن بالهجرة يأتي علي رأس هؤلاء النسوة ،السيدة أم رومان زوج سيدنا أبوبكر رضي الله عنها.
فلقد كان بمقدور هذه السيدة ان تفشل رحلة الهجرة ،كاملة لو أنها اذاعت الخبر، أو حتي ألقته سراً إلي بعض صديقاتها المخلصات اللواتي ترتبط بهن برباط المصاهرة أو الدم.
ولكن هذه السيدة حافظت علي سر زوجها، ولم يقتصر دور أم رومان علي كتمان السر بل امتد دورها العظيم، ليشمل تجهيز الرحلة لأربعة من الرجال ،هم سيدنا محمد وزوجها أبوبكر والدليل عبدالله بن أريقط وعامر بن فهيرة.
فراحت تجهز الزاد والزواد، لمدة تكفيهم علي الأقل عشرة أيام، واستطاعت هذه السيدة العظيمة ،ان توقد فرن بيتها في أوقات متفرقة، وفي أوقات يستكين فيها الناس ويقل أو ينعدم المارة أمام البيت، وبالتالي فإن صعود الدخان من جراء صنع الخبز لم يلفت نظر أحد من القريشيين وهذا ذكاء عظيم من تلك السيدة.
ولا ننكر دور السيدة عائشة رضي الله عنها ،في الهجرة فهي التي ساعدت أمها وأختها، في صنع كل ما تقدم دون ان تنبس ببنت شفه. وإذا كان لنا ان نذكر بالفخار للنساء في الهجرة.
تأتي السيدة أسماء التي لقبت في التاريخ الإسلامي بذات النطاقين، والتي استطاعت ان تحمل الماء والخبز والحليب ،عدة كيلو مترات حتي تصل إلي النبي وإلي أبيها في غار ثور، وهداها عقلها ان تختبيء من أعين القريشيين ، دون ان يكتشف أمرها أحد.
وكان في شقها لنطاقها ما يشير إلي حدة البديهة وسرعة الذكاء ، عندما نسيت ان تأتي برباط لقرب الماء والزاد، ليحملها أبوها معه.
ثم حينما ذهب إليها اللعين أبوجهل وطرق عليها، وعلي أختها الباب فخرجت إليه أسماء فإذا بأبي جهل، يسألها عن أبيها وبشجاعة وجرأة، بالغتين أنكرت ان تعرف أين هو فما كان من هذا اللعين إلا ان لطمها لطمة قاسية أطارت قرطها وأحمر من الضرب خدها .
ولأنها سيدة غاية في الأدب والتهذيب، لم ترد علي أبي جهل حتي ان هذا الجهول خجل من نفسه وقال لها "يا أسماء اكتمي عني لطماتي هذه لأنه في عرب العرب عيباً كبيراً ان يضرب الرجل فتاة أو امرأة.
كما لا ننسي دور السيدة العظيمة ،التي مر عليها رسول الله ورفقاؤه وقد نضب ماؤهم فقال لها هل من ماء فنشتريه أومن حليب فندفع ثمنه؟ ولكنها قالت أما الأغنام فقد ذهبت إلي المرعي مع ربها "صاحبها" وليس في خيمتنا إلا شاة عجفاء ليس بها حليب علي الاطلاق فإن أردت أن تذبحها فخذها.
ولكن الرسول صلي الله عليه وسلم قال "قدميها إليّ" أي أخرجيها من الخيمة وأحضريها ويربت الرسول علي ضرع الشاة فيمتليء حليباً. وتأمل معي ان الذي يشرب أولاً هو عبدالله بن أريقط وهو غير مسلم ثم عامر بن فهيرة ثم أبوبكر .
وفي النهاية شرب رسول الله ثم حلب قربة كبيرة، وتركها لصاحبة الخيمة التي فطنت إليه وإلي وجهه البشوش، وقالت "والله ما أراك إلا أخ قريشي" فنظر إليها الرسول قائلا "نعم أنا أخ قريشي" ولما انصرف من عندها جاءت الخيل ،في أثره تبحث عنه فإذا بفرسان قريش، يأتون خلفه مطاردين مقاتلين فيجدون السيدة في جلستها أمام خيمتها فيسألون من مر بها.
فلا تفشي سرمحمد صلي الله عليه وسلم، رغم انها امرأة فقيرة والجائزة كبيرة انها مائة ناقة حمراء، لمن يأتي بمحمد حياً أو ميتاً ،وما كان أحوجها إلي ناقة واحدة ولكنها لم تفعل.
كما لا ننسي دور نساء الأنصار، سواء في البيعة الثانية أو عند استقبالهم لسيدنا محمد في يثرب ،فقد وقفت كل امرة خلف زوجها تقول لزوجها اجعل رسول الله ينزل بيتنا.
وكانت النساء يدفعن الأزواج لاستضافة رسول الله، فلما نزل الرسول بدار أبي أيوب الانصاري قامت زوجته برسول الله خير قيام بل ان سيدة عصرها زوجة سعد بن عبادة الانصاري، كانت تجهز كل يوم "قصعة" كبيرة لا يحملها إلا خمسة من الرجال الأشداء .
وكانت السيدة الفاضلة تشرف بنفسها علي هذه "القصعة" الكبيرة، التي تذهب إلي محمد وفقراء المسلمين "أهل الصفة"، وظلت هذه العادة يومياً إلي ان لحق رسول الله بربه ولم تنقطع بل كانت تخرج لأهل "الصفة" إكراماً لرسول الله.
ان المرأة في صدر الإسلام، كانت عابدة متبتلة قائمة الليل، قارئة للقرآن معالجة للمرضي مدافعة عن رسول الله وعن صحابته الكرام، فهل تتنبه نساؤنا إلي هؤلاء النساء أم أن الأمر تغير وتبدل ونكون في حاجة إلي إعادة تأهيل وتدريب للنساء.
وفي الهجرة النبوية الشريفة كتم رسول الله ساعة الهجرة من باب انجاح العمل في قوله "حافظوا علي قضاء حوائجكم بالكتمان" خاصة.
وان الأعداء كانوا يتربصون به ولكنه كان مضطراً إلي ذكر بعض أسرار الهجرة لأعمدة الهجرة وكان من هؤلاء الأعمدة أبوبكر وأسماء التي لقبت بذات النطاقين .
وهذا يدل علي ان المرأة في نظر رسول الله تؤتمن علي السر بل علي أخطر الأسرار فلم يكن هناك اخطر من مسألة الهجرة.
التعليقات