لم ألتقِ الموسيقار الكبير محمد فوزي، ولكنه أصبح مع الزمن واحدًا من الشخصيات التى أشعر وكأننى التقيته عشرات المرات.. كل من عرف فوزى وأتيح لى أن أقترب منه، كنت أحاول أن أحصل منه على لمحة أرسم من خلالها بورتريه لنجمى المفضل، مثل تحية كاريوكا وكمال الشناوى ولبنى عبدالعزيز وكمال الطويل ومأمون الشناوى وحسين السيد ومحمود الشريف وغيرهم..
و«الشريف» تحديدًا كان يسكن معه فى شقة واحدة فى بداية تعارفهما داخل صالة (بديعة مصابنى)، بل قال لى أيضا إن أول أغنية قدمها فوزى بصوته كانت من تلحينه، كما أن مديحة يسرى أمدتنى بملمح آخر للزوج العاشق الغيور، إلا أنه قد يرتكب أحيانا فعل الخيانة الزوجية.. ثم تعرفت على اللواء المهندس نبيل محمد فوزى، وبدأ يرسم لى تفاصيل الأب.
كان فوزى مدخنا شرسا للسجائر، إلا أنه مثل أى أب يمنع أبناءه من التدخين.. ومصادفة، اكتشف أن نبيل يفعلها من ورائه، وبدأ فى تعنيفه، وفجأة تنبه إلى أنه يمسك السيجارة، فنظر إلى نبيل بكل جدية قائلا: (تلاقيك بتسأل نفسك وتقول إزاى أبويا بيدخن وبيتكلم عن أضرار التدخين)، فقال له نبيل: أبدا عمرى ما سألت نفسى، ولا عمرى ح أسأل نفسى.. ضحك فوزى واحتضن نبيل.
تبدل السؤال الذى يردده نبيل، بعد رحيل فوزى عن 47 عاما، إلى: «هل يدخل والدى الجنة رغم أنه كان يشرب الويسكى؟»، سأل مفتى الديار الأسبق د. على جمعة وهو أيضا من عشاق فوزى، فأجابه: هل رأيته؟، فقال: نعم فى الحفلات.. هل أنت متأكد أنه يشرب أم يكتفى بأن يرفع الكأس تحية للأصدقاء؟، فقال لست موقنًا، فأجابه المفتى: (طالما لديك شك.. إذن أبوك فى الجنة).
الصورة كأس ويسكى، ولكن الحقيقة لا يعلمها إلا الله.. تذكرت تلك الحكاية وأنا أستعيد أغنية تجاوزت 60 عاما (فطومة) لحّنها فوزى فى فيلم يحمل نفس الاسم، وذلك بعد النجاح الطاغى لأغنية فرانكو أراب أيضا (يا مصطفى يا مصطفى)، تقول كلماتها (فطومة مارشيه فى الموسكي/ وأنا كنت شارب الويسكى).. هكذا كتبها سعيد المصرى، وغناها برونو مورى، المجتمع تقبّل الكلمات ولم يشعر بحرج من احتساء الويسكى، ربما لأن الأغنية تتحدث عن شاب أجنبى مغرم ببنت البلد (فطومة)، كما أن أغلب الأفلام لم تكن تخلو من بار، تجده فى بيت البطل، ورغم ذلك تم تغييرها عند طبعها على أسطوانة إلى (النيسكى)
ولا أعتقد أن هناك مشروبا معترفا به فى العالم يحمل اسم (نيسكى)، مع الزمن لم نكتف بـ (النيسكى)، هناك من أدخل فى روع الرقابة أن الناس ستعتبرها أيضا (ويسكي)، ولهذا عند إعادة تسجيلها قبل نحو 20 عاما بتوزيع حميد الشاعرى فى فيديو كليب أدته ياسمين عبدالعزيز فى بداية ظهورها تحول (النيسكى) إلى (بيبسى).
الرأى العام يملك أسلحة فى صورة رسائل، يتم بثها وتمريرها بين الحين والآخر، فكان لابد من التغيير.
الأمر يستحق دراسة متعمقة لنرى صورة مقربة لمجتمع أحدث تغييرا فى حروف الكلمة خلال 60 عاما من (الويسكى) إلى (البيبسى) وبينهما (النيسكى)، هو ليس مجرد تغيير عشوائى، ولكن تم تقليص مساحة من المرونة فى تقبل الآخر، حتى لو كان أجنبيا يشرب كأس ويسكى فى الموسكى معلنًا حبه لـ (فطومة)!.
التعليقات