بعد إن أدى المسلمون فريضة الحج ما هو المطلوب منهم؟ وكيف يوظف الحجاج عبادتهم لخدمة الدين والدنيا؟ .. كيف نجعل أداء المناسك مناسبة لإصلاح ما فسد من علاقاتنا الاجتماعية؟
من أجمل الفضائل التي يتعلمها الإنسان فى رحلة الحج، الإحسان وهو فضيلة كبرى، وسلوك إنساني عظيم، يسلكه العبد المؤمن فى طريقه إلى الله يتأكد به معنى الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر لأنه من نقاء النفس، وإخلاصها فى العمل والعبادة.
والإحسان فى الظاهر يبدو فى الأعمال والأفعال، فإذا أتقن الإنسان عمله، وما كلف به بأمانة من حقوق وواجبات.
ففي الحج نعرف معنى التعاون وقيمته، حيث يتحد الجميع فى مساعدة أى حاج يحتاج إلى العون، سواء كان مريضا، أو مسنا أو أى امرأة أو أى حاج يحتاج إلى الإرشاد والعون فى أى شئ .
وفى التعاون تتجلى أمامنا قيمة الحب والمودة والسلام ، والبعد عن الكراهية والحقد والغيرة والإخاء، وللتعاون أهمية كبرى فى نشر الوحدة، بين الأجناس والأمم والطبقات مما يخلق جوا من الألفة بين الناس .
ويجب على الحاج إذا عاد من هذه الرحلة المباركة، أن يحافظ على ما أكتسبه من حسنات، وما أدخره عند الله من درجات بالاستمرار فى الصالحات، والتخلي عما يبعده عن الله عز وجل من معاص ومنكرات .
ففى الحج منافع روحية عظيمة، منهااستشعار القلوب بواحدنية الله، حيث يستشعر الناس فى شعيرة الحج،بوحدانية الله سبحانه وتعالى، وذلك من خلال وحدة المناسك ، والمشاعر والقصد والسعى والقول والدعاء.
الجميع مسلمون يطوفون ببيت واحد، ويعبدون إلهاً واحداً، ويتبعون رسولاً واحداً، وينتهجون منهجاً واحداً، إن هذا الشعور يترك فى نفوس المسلمين أهمية الوحدة، والعمل فى ظل جماعة واحدة حتى يتمكنوا من الانتصار على أعدائهم.
أن تطهير النفس من مظاهر الكبرياء، والعظمة حيث يلبس الحجاج ملابس بسيطة، يستبدل الغنى الفاخر الثمن من الثياب بثوبين لا زينة ولا زخرفة، فيهما كما يقف أمام الله سبحانه وتعالى متجرداً من كل مظاهر الحياة ،الدنيا الزائلة يتذكر يوم لقاء الله .
وهذا يطهر النفس البشرية، من الكبرياء والعظمة والغرور، والتفاخر بالأنساب والألقاب، كما يعود النفس البشرية، على التواضع حتى لا يبغى أحد على أحد ولا يفخر أحد.
فالإنسان قادر على توجيه نفسه إلى الخير، وإلى الشر ولذلك يجب على المسلم أن يستخدم القدرة الكامنة، فى كيانه فى توجيه نفسه إلى الخير، وذلك عن طريق كثرة الذكر والطاعات، والالتزام بالطريق المستقيم ، ويعتبر ذلك من أنواع جهاد النفس الأمارة بالسوء.
وعلى المسلم العائد من الحج، أن يجعل من حجه درسا نافعا، وتعديلا وتقويما لسلوكه، وتطهيرا لنفسه وروحه، كما أن عليه أن يكون أكثر حرصا، والتزاما بأداء الفرائض، وأن يقوم بالإحسان على الفقراء والمساكين .
على الحاج إن ينتهج أخلاق الحج، بعد عودته بان يأكل الحلال ، ويتجنب الحرام ويمشى بين الناس متجردا عن الشهوات، وقول الزور وكل ما يفسد حياته من المحرمات، والمحظورات فغاية الحج أن تكون الصلة بين الإنسان، وربه صلة ممتدة متصلة لا تنقطع أبدا لأنه وصل نفسه بربه سبحانه وتعالى، بالطواف والسعي حول رموز جعلها الله تعالى رموزا للطاعة والعبادة .
كما أن الحج يعتبر تدريبا للإنسان المسلم، على تطبيع سلوكياته وأفعاله، مع أوامر الله ونواهيه، بعد العودة من أداء شعائر الحج، بحيث تكون أعمال الإنسان كلها خالصة لوجه الله تعالى، ولا يفعل إلا طيب الفعل، ولا يتحدث إلا بطيب الكلام، ولا يتحلى إلا بمكارم الأخلاق، حتى تكون علاقته بخلق الله تعالى علاقة طيبة كريمة .
وحيث يحقق المراد من فريضة الحج، التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال، حينما سئل عن أفضل الأعمال فقال :إيمان بالله ورسوله والجهاد فى سبيل الله ثم حج مبرور .
وليعلم كل إنسان إن الحج لن يكون مبرورا، إلا بالالتزام بأوامر الله ونواهيه، وتجنب المعاصي والتحلي بحسن الخلق، وكرم النفس وتجردها من كل ما يغضب الله، ويؤذى خلقه .
فالحاج الذي فارق الأهل والبلاد، وتلك الأعمال واكتساب الأموال، والاستزادة من الربح فى سبيل الحصول على ر بح اكبر، وأسمى وهو رضوان الله، وغفران الذنوب لابد إن يأخذ فى اعتباره أن ذلك لا يتحقق إذا لم يكن شديد الحرص على التحلي بهذه الآداب والأخلاقيات بعد عودته .
أن الحج هو إحدى العبادات التي تتميز بعطاء، يختلف من شخص إلى آخر وفيه تتجلى الفيوضات الربانية، وبه يتغير العبد المؤمن سلوكا وخلقا، فيمنحه الله عزوجل البركة فى حياته .
إن آثار رحلة الحج عظيمة فى حياة الإنسان، ومتنوعة ولها الأثر الفعال، ومنافعها يشهدها كل من يحج بيت الله الحرام.
ويجب علينا أن نتعلم كيف يمتد أثر الحج، إلي البقية الباقية من عمرنا . بل نريد أناسا يعيشون معاني الحج، وأخلاقه بقية عمرهم .. هذا هو الحج الصحيح، ..وهذا هو الحج الأبدي الخالد.
وينبغي على الحاج إن يلتزم بعد عودته من أداء مناسك الفريضة، التي هي ليست مجرد مناسك وشعائر، بل هي جرعة إيمانية، تنير طريق الصواب لصاحبها.
وعلى الحاج إن يحافظ عليه بتقوى الله فى أفعاله وأقواله ،حتى تستمر معه طيلة حياته .ويجب أن يكون المسلم قدوة فى سلوكه، ما دام مقرونا بدين الإسلام .
ونستفيد من الحج ألا نقول إلا الطيب، ولا نعمل إلا الصالح، الذي يرضى الله فالصفح والعفو والكلمة الطيبة،من أبواب الحب والرحمة، والنورانية والشفافية والصفاء .
لابد من ضرورة أن يعلم الحاج، بعد عودته أن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وعاد بشهادة ميلاد جديدة،وعليه أن ينبغي على الحاج بعد عودته إن يكون إنسانا جديدا، بعد إن طهر نفسه من الخطايا والآثام، وان لا يقول ولا يفعل إلا ما فيه الخير لنفسه ولأهله ولدينه حتى يحقق بذلك الصدق الألهى من فريضة الحج .
من مقاصد حج بيت الله الحرام، أن تتحول شعائره ومناسكه إلى منهاج حياة، يترجم المعنى إلى عمل، وتقوى الله إلى سلوك، وأدب النبي الكريم عليه الصلاة والسلام إلى واقع أخلاقي قرآني، والتزام بأنظمة اجتماعية وقوانين مدنية تنظم العلاقات الإنسانية .
والتحلي بالصبر والارتقاء بالروح، والالتزام بأوقات وأماكن، وأعمال لا يجوز تجاوزها كي لا يضيع الجهد هباء، أو يخسر الإنسان ما عمل من أجله وصبر في سبيل تحقيقه.
أسأل الله العلي القدير أن يوفق المسلمين، لحسن الإفادة من فريضة الحج وأن يتقبل عملهم بقبول حسن، وأن يغفر لنا أجمعين وأن يجعلنا من عباده المتقين، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب وصلى الله وسلم على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين .
التعليقات