إتصل بي صديقي عصام فهمي .. وأخبرني إن هناك موعدًا في الرقابة.. مع الإذاعي القديم لطفي عبد القادر ـــــ وكيل وزارة الإعلام ـــ والمشرف على الرقابة.. وإنه يريدني أن أتقصى عن سر هذا اللقاء الذي تم تحديده على عجل، كان يخشى أن يكون هناك أي عراقيل جديدة، تمنع صدور الجريدة، بعد أن وقع عقد الطباعة والتوزيع مع "الأهرام".. بدأت فورًا إتصالاتي.. بعدد من الرقباء كنت تعرفت عليهم في فترة ترددي على الرقابة أثناء متابعة الترخيص، أخبروني إن هذا اجتماع تقليدي مع أصحاب الصحف، لتحديد المساحات المتاحة للنشر .. بإختصار اجتماع توجيهات! بعد أن نقلت هذا الكلام إلى عصام فهمي أصر أن أكون حاضرًا لهذا الاجتماع، وفعلًا التقينا مدير الرقابة في مكتبه في موعد مسائي.. كان المكتب يسوده الهدوء، كان إستقباله أكثر من رائع، ودار حديث كله عن (المسموح والممنوع) وإنه لا يريد أن تصدر "الدستور" له مشاكل مع الدولة! وأنهى حديثه بطلب أن نرسل له بعد طباعة كل عدد (رابطة كاملة) من الجريدة، عند هذه النقطة تحديدًا وجه عصام فهمي تغير!!.. وسرع في إنهاء الحوار للإنصراف، في المصعد أنفجر.. غاضبًا من طلب (رابطة كاملة). وأخذ يحسب سعر (الرابطة الكاملة).. وأبدى إندهاشه من هذه الجرأة.. بدل من أن يطلب جريدة أو أثنين.. يطلب (رابطة كاملة)!!
إنتشار خبر إن (الدستور) في طريقها للصدور، حول المقر إلى ملتقى لكبار الكتاب والصحفيين، الذي بدأو التوافد لتقديم التهنئة لرئيس التحرير وفريق العمل، الذي بدأت تظهر ملامحه، معظمهم أصدقاء أعرفهم من قبل من خلال العمل سويًا في المكاتب العربية... بإستثناء صديقي بلال فضل الذي تعرفت عليه لأول مرة في "الدستور"..
في إحدى المقابلات للإتفاق على العمل في الجريدة.. أحد الصحفيين الناصريين، وكان يعمل في جريدة (العالم اليوم) في القسم الخارجي "إنجعص" على مقعده في مواجهة إبراهيم عيسى وأشعل سيجارة، ونظر لأعلى.. قائلًا: "قبل ما أوافق على الشغل.. عايز أعرف إتجاه السياسة التحريرية.. بالنسبة لأمريكا والسعودية" لا أستطيع أن أكتب رد إبراهيم وسخريته من هذا القادم من "العالم اليوم"!!
في هذه الأيام.. الأولى لتجهيز الجريدة.. عملي كان موزع.. بين مهام تحريريه.. يكلفني بها رئيس التحرير.. وأعباء إدارية ورطت نفسي فيها، على الأقل متابعة قائمة طلبات رئيس التحرير التي تقدم بها لـ رئيس مجلس الإدارة عصام فهمي.. مستغلًا صداقتي معه.. وتجنبًا لأي صدام أو خلافات في هذه المرحلة، التي تحتاج للتركيز للوقوف على الشكل الصحفي للجريدة، سواء في إختيار الأسلوب الذي سوف تخاطب به القارئ، أو شكل الإخراج الصحفي.. وفي هذه النقطة تحديدًا، أذكر في الأيام الأولى كانت الإجتماعات الثنائية بين رئيس التحرير.. ود. احمد محمود.. صاحب (ماكيت) الدستور.. كانت تستمر بالساعات.. وكل من عاش هذه المرحلة يتذكر إن "الدستور" صنع فارقًا بينه وبين كل الصحف الموجودة على الساحة الصحفية في شكل الإخراج الصحفي، لدرجة سعى الجميع إلى تقليده، الأهرام بوقاره.. فاجئنا في احد الأيام.. بإبراز تقرير فني في نهاية الصفحة الأولى.. تحطيمًا لقواعد وأعراف الأهرام الصحفية!
في كل تجاربي الصحفية في (الأحرار، الوفد، الحقيقة) لم أكن أعرف مهنة سكرتير التحرير، لأول مرة أشاهد سكرتير تحرير عن قرب يمارس عمله.. إكتشفت إن هذا المنصب المحرك لكل صغيرة وكبيرة في الجريدة.. وفهمت لماذا كان يقول الكاتب أنيس منصور.. "أعطوني سكرتير تحرير شاطر.. ومستعد أكسر الدنيا بدون محررين"، بلال فضل كان نموذج لسكرتير التحرير.. الذي تمناه الكاتب أنيس منصور، كان يبدأ عمله من بعد صدور العدد.. بالإتصال بالكتاب أصحاب الأعمدة والمقالات ليتابع معهم، بجانب متابعة شغل الأقسام المختلفة مع مشرفين الصفحات، وإستلام المواد الصحفية من "الديسك" وكثيرًا ما كان يتدخل في شغل "الديسك" بتصليح العناوين، تداخلت مهامه مع مهام مدير التحرير، الذي كان مشغول طوال الأسبوع بكتابة مقاله الأسبوعي، وإستقبال ضيوفه، وهذا ذاد من مهام سكرتير التحرير، الذي كان يكلفه احيانًا إبراهيم عيسى بكتابة موضوعات خاصة به.. أو المشاركة في الملفات، بجانب إنه كان مشرفًا على صفحة بريد القراء، بعد إنتظام الصدور أصبحت من اهم صفحات بريد القراء في الصحافة المصرية.. كانت الخطابات الورقية تصله اسبوعيًا بالمئات! والجميل إن قراءه أو الذين يرسلوا له الخطابات تأثروا بأسلوبه.. وأصبحوا يكتبوا الشكاوى بطريقته بنفس أسلوبه الساخر..
نرجع بقى لطلب رئيس الرقابة (رابطة من كل عدد) بعد صدور العدد الأول.. فوجئنا بإتصال من سكرتارية وكيل وزارة الإعلام يستفسر.. عن عدم إرسال (الرابطة).. هذا التليفون ذاد عصام فهمي إصرار وعند إنه لن يرسل حتى لو نسخة واحدة.. وإعتبر إصرار الرجل بلطجة.. خاصة إن الطلب تكرر في العدد الثاني.. لكن ماحدث في العدد الثالث.. ده حكاية.. ثانية خالص!
وللحديث بقية
التعليقات