في حضرة الكاتبة والناقدة الكبيرة إيريس نظمي، أنت غير مطلوب منك أن تبذل مجهودًا لتحفيزها على "الفضفطة" أو الخروج منها بحكايات مغرية للقراءة، يكفي أن تمنحها الإشارة، وأترك الباقي عليها، ستجد نفسك أمام حكاءه من طراز رفيع، وصحفية من العصر الذهبي للصحافة المصرية، أستاذتنا إيريس نظمي من جيل الصحفيين الذي حفر أسمه وصنع نجوميته بين القراء (بالسبق الصحفي) و الإنفرادات، وعدم الجلوس خلف المكاتب، في إنتظار الحوارات المطبوخة في مكاتب المستشارين الإعلاميين!
إسلام عفيفي وهشام يحيى مع إيريس نظمي
حكاية الحوار مع السيدة إيريس نظمي نفسها حكاية تستحق أن أحكيها، في جلسة صحفية مع رئيس تحرير (أخبار النجوم) صديقي أسلام عفيفي.. ونحن نقرأ صفحات من مذكرات (شادية) التي أعيد طبعها.. في ذكرى أربعين الفنانة الراحلة شادية، إتفقنا إن صدور هذه المذكرات في هذا التوقيت تستحق الإحتفاء.. ولكن بشكل غير تقليدي، ولإننا مازلنا نتشرف إننا محررين صحفيين، إتفقنا أن يكون الإحتفاء من خلال حوار صحفي مع كاتبة المذكرات إيريس نظمي.. وعدم الإكتفاء بعمل عرض تقليدي.. من باب أداء الواجب، ولإن أسلام عفيفي من روؤساء التحرير (الشيك) بعد الاتفاق على موعد الحوار في بيتها بمنطقة وسط البلد، كلف الزملاء في مكتبه بإرسال "بوكية ورد" تعبيرًا عن فرحتنا بهذه المذكرات، التي تجدد الحوار حول الفنانة الراحلة "شادية" وتكشف مناطق لم نكن نعرفها في حياتها، وترد على شائعات وسخافات حاصرت هذه النجمة الحزينة!
أعترف إستقبالها لنا في بيتها كان إستقبال دافئ ومحترم، وبعيدًا عن إنها ناقدة سينمائية كبيرة، خلال الساعتين في حضرتها إكتشفنا إنها (أسطى) صحافة!، المهنة تجري في دمها، لم يغريها لقب الناقدة والكاتبة الكبيرة، وظلت محتفظة بشغف "المحاورة"، وهذا ظهر في الحيوية في التفاعل معنا وإسترجاع الحكايات بذهن حاضر، والتركيز على تصحيح المعلومات المتداولة! لكن بعد نشر الجزء الأول من الحوار.. وبعد أن تأكدنا إن النسخ وصلتها في بيتها وأستلمتها بنفسها.. توقعنا منها أي رد فعل! حتى التليفونات لم ترد علينا، لدرجة تخيلنا إنها غير راضية عن الجزء الأول من الحوار.. ولكن كانت المفاجأة.. إن هذه السيدة العظيمة التقت بنا في ذروة مرضها.. وتلقي العلاج الكيمائي، وإن في اللحظات التي كانت تجلس معنا كانت تتألم، ولكنها "إيريس نظمي" الصحفية.. التي إحترمت موعدها معنا، ولم تخذلنا.
ذهبنا إليها للحديث عن شادية..كانت كريمة إلى أبعد حد.. كلمتنا عن (أم كلثوم، عبد الوهاب، حليم، فريد الأطرش، فريد شوقي) والأهم أخيرًا عرفنا سر (كازرونة الشوربة) التي يتداولها رواد السوشيال ميديا للتشهير (بالست)، حسب كلام "الست" إيريس نظمي: "في التوقيت الذي فرضت فيه أم كلثوم حصارًا إعلاميًا على بروفات، أول لقاء فني جمع بينها وبين عبد الوهاب أغنية "أنت عمري"، التي كان يطلق عليها صحفيًا وفي الدوائر الفنية "لقاء السحاب" أخذت قرارًا بخوض مغامرة صحفية، من خلال التسلل، مع زميلي المصور محمد لطفي، واختراق هذا الحصار "الكلثومي" لتقديم سبق صحفي لقراء مجلة "أخر ساعة" حول تفاصيل البروفة الأخيرة، بالكتابة والصور الحصرية، رغم إن عبد الوهاب كان سعيدًا بوجودي في الأستديو، هو والشاعر أحمد شفيق كامل كاتب الأغنية، لكنه في نفس التوقيت كان خائف جدًا من رد فعل أم كلثوم، إذا اكتشفت مخالفة للتعليمات بوجود صحفية ومصور، وصحفية من "الفتافيت"، وهي صديقة الكبار، "أنيس منصور وكمال الملاخ وقبلهم مصطفى وعلي أمين وكبار صحفيين مصر"، أخذت مكاني بين مهندس الصوت الشهير زكريا عامر، والأجهزة حتى لا أكون في مرمى بصرها، وأنا أجلس أدون ملاحظاتي، وزميلي المصور هو الأخر كان يتعامل بحرص شديد، وهو يقوم بالتقاط الصور للنجمين الكبار في الاستديو!، وهي تتكلم صارحتها إنني أشعر إنها كانت في بيت "دراكولا" وليس استديو صوت القاهرة!
أم كلثوم
ـــــ ردت وهي تضحك بشدة: أم كلثوم بدون أي مبالغة، كانت تتعامل بشراسة رهيبة مع أي حد يقترب من خصوصياتها، وأيضًا مع فنها، وتعتبر البروفة النهائية لأغنية جديدة (قدس الأقداس).
أما اختراق حياتها الخاصة، هذا يمثل كارثة كبرى كلفت مثلًا: الكاتب محمد السيد شوشة المنع من الكتابة عشرون عامًا، بعد أن تجرأ ونشر خبر شائعة زواجها من المثال الشهير "مختار" وأيضًا المؤرخ الفني المعروف حسن أمام عمر، الذي كان رئيسًا لتحرير مجلة (الفن) نشر خبر زواجها من الدكتور الحفناوي، متحديًا تعليمات الرقابة بعدم نشر أي خبر عن الزواج رغم إن الزواج رسمي، تم مصادرة المجلة، وإغلاقها نهائيًا، وبتعليمات من الرئيس جمال عبد الناصر شخصيًا، جلس في بيته لمدة عامين لا يغادره، طبيعي إن بعد كل هذا التاريخ، أن أتعامل بحرص شديد، وأخاف على مستقبلي الصحفي!، ورغم هذا اليوم مر بشكل طبيعي جدًا، حتى حان موعد أذان المغرب، وبدأ أعضاء الفرقة يستعدوا للإفطار، لأن البروفة كانت في نهار شهر رمضان، بإحضار وجبات الإفطار من المطاعم المحيطة بالأستديو، أم كلثوم من شدة تمسكها بأصولها الريفية، وقواعد الفلاحة التي تعيش داخلها، الإفطار الخاص بها، جاء من بيتها، وهنا اكتشفت وجودنا عندما لمحت زميلي المصور محمد لطفي يقوم بتصويرها وهي تشرب "الشوربة" من "الكزرونة"، تكهرب جو الاستديو، وابن شقيقتها مدير أعمالها محمد الدسوقي، تقدم نحو المصور، وأصر أن يحصل على الفيلم ويقوم بتمزيقه، أمامها، عن نفسي اختبأت بين أجهزت ومعدات مهندس الصوت زكريا عامر، يتملكني حزني رهيب، كل مجهود اليوم ذهب، في هذه اللحظة، قبل أن أكاد أبكي على شغلي همس في أذني زميلي المصور الرائع.. "ولا يهمك أنا قمت بتغير الفيلم"، بعد شعوري بالانتصار الصحفي الرهيب، لم أجد مناسبًا أن نبقى في المكان، وبالفعل هربنا من الأستديو!،
لا أنكر إن للسيدة أم كلثوم مكانتها الخاصة، عند أصحاب دار "أخبار اليوم" ويمكن أن نعتبرها أيضًا مركز قوة في الدولة، ولكن أمام السبق الصحفي، تتراجع كثير من الاعتبارات، بعد تجهيز المادة والصور، التقيت مصطفى بك في طرقات "أخبار اليوم" وقفت معه، واخبرته بالحكاية كاملة، وذكرته بما فعلته "الست" مع محمد السيد شوشة، ضحك وقال: "وأنا إذا لم تقومي بتسليم الموضوع.. سأقوم بفصلك من المجلة" وفوجئت، على صدر الصفحة الأولى من الأخبار، بنشر تقرير عن اللقاء الذي تم بيني وبينه.. ونشر أجزاء من الحوار.. وتنويه عن ما سوف ينشر في مجلة "أخر ساعة" وفي نهاية التقرير.. (أسف يا أم كلثوم)..
هذا هو مصطفي بك أمين! هذا هو زمن أن تتعامل فيه مع الكبار!
وللحديث بقية.. مع حكايات إيريس نظمي
التعليقات