إحتفالًا بحصولنا أخيرًا على ترخيص طبع جريدة (الدستور) في مصر، بعد رحلة طويلة من المعاناة مع البيروقراطية والتفاصيل المتعسفة، قرر صديقي عصام إسماعيل فهمي أن يكافئني بدعوة على الغذاء في مطعم "أرتين" الشهير في شارع قصر النيل، كنت أول مرة أتعرف على هذا المطعم، وحكاية صاحبه، الذي إكتشفت إن بنته (لوسي أرتين) المرتبط إسمها بفضيحة الثلاثة الكبار (أبو غزالة، فادي الحبشي، حلمي الفقي) بعد أن نشر وائل الإبراشي على صفحات (روزاليوسف) تسريبات لمكالمات تليفونية جنسية، كانت حديث مصر والأوساط الصحفية والسياسية، في التسعينات، وحتى تهدئ الأمور خرج الثلاثة الكبار من مناصبهم إلى بيوتهم يطويهم النسيان!
ونحن نتناول (الملوخية بالأرانب) حكى لي عصام فهمي إن هذا المطعم صاحب عدد الموائد المحدود.. محكوم بقواعد برتوكول صارمة، مواعيده يوميًا ثلاث ساعات ـــ فقط ـــ فترة وجبة الغذاء ويغلق أبوابه، صاحبه (أرتين) يحمل الجنسية الأرمانية.. قريب للفنانة نيللي ولبلبلة وفيروز.. كان يعمل شيف في القصور الملكية، قبل ثورة يوليو.. قائمة الطعام كلاسيكية.. (ملوخية بالأرانب، شركسية، دجاج محمر، حمام مخلي).. والحلو الذي يقدم بعد الطعام.. (كستر، جيلي، مهلبية).. أو طبق فواكه حسب الطلب! طاقم الضيافة نوبي.. يرتدوا زي موحد. حتى زبائن المطعم.. ليسوا شبهنا.. منتهى الشياكة.. ويتكلموا بالهمس.. كنا بينهم مثل النغمة النشاز.. عصام فهمي ببدلته النص كم.. وأنا ببنطلوني الجينز الجربان.. وطريقتنا السوقية في الكلام.. وصوتنا المرتفع.. المختلط بقاموس عصام فهمي الشعبي!
بعد إنتهاء الغذاء خرجت من باب المطعم متجه إلى سيارة عصام فهمي (المرسيدس).. فوجئت به يوجهني إلى مدخل العمارة الملاصق لبوابة المطعم.. 56 شارع قصر النيل، عمارة من عمارات القاهرة القديمة، في مواجهة عمارة قصر النيل التي إنهارت قريبًا، مدخل العمارة كئيب غير مريح إطلاقًا! أمام المصعد الخشبي الزجاجي المتهالك تمسكت برغبتي في الصعود على السلالم.. حتى لو أصعد للدور الخامس.. وأخذت أقنعه إن أحباله متهالكه.. وأحتمال تنقطع ونحن داخله.. أخذ يشتم في وهو يضحك ودفعني داخل المصعد ومعنا البواب، كل الطوابق مظلمة، والشقق كأنها مهجورة! العنكبوت يغطي أبواب الشقق وأكوام التراب!
والبواب يفتح باب الشقة التي وقفنا أمامها في الدور الخامس، عرفت إن هذه الشقة، هي مقر (الدستور)، بقدر فرحتي بتحركات عصام فهمي السريعة .. ورغبته في بدأ حركة العمل لإصدار الجريدة، المشهد العام للشقة، أصابتني بالتوتر.. من أول لحظة تكتشف إنها مغلقة من سنين طويلة، الجدران كالحة، والبلاط متأكل، والباركيه مكسر، والإضاءة تعتبر غير موجودة!
في هذه اللحظات ، اخترقت جلجلة ضحكت إبراهيم عيسى المكان..في زيارته الأولى للمقر، مصطحبًا معه صديقه جمال فهمي، قدمه لنا بإعتباره المرشح لمنصب مدير تحرير (الدستور)، وقدمني له إنني مشرف صفحة "المنوعات"، بصراحة إتخضيت، وهو أخذ يضحك، سحبني من يدي بعيد، وترك جمال فهمي "بالبايب" ينظر على عصام فهمي، واخذ يشجعني إني سوف أعمل شغل حلو.. كنت استمع له بإهتمام.. يجوز لإن الحديث في الصحافة كان واحشني بسبب فترة التوقف الإجباري، لكن الأفكار التي بدأ يطرحها عن رؤيته المغايرة لصحافة المنوعات، رشقت في دماغي (احنا عايزين نعمل منوعات مصرية).. وأخذ ينتقد صفحات المنوعات في الصحافة المصرية التي تعتمد بنسبة 90% على الصحافة الأجنبية المترجمة، كنت مبهور بطريقته في عرض أفكاره، وأحلامه للجريدة بشكل عام، إنضم لينا في الحوار عصام فهمي.. وبدأت معركة تجهيز المقر مبكرًا.. بعد أن سلمه إبراهيم قائمة مكتوبة بطلباته.. أعتقد تم تنفيذ 30% منها فقط.. والباقي تم تأجيله!
وللحديث بقيه
التعليقات