السينما الصامتة.. 1907-1939
التجارب الأولى
الجزء الثالث عشر
من "ليلى" إلى "زينب"
نساء السينما المصرية.. طلعت حرب.. محمد كريم.. الأخوين لاما الرواد ..
ومرحلة تمصير السينما المصرية!
-من خلال بعض المقالات القليله أقوم دون أدنى تعليق مني
و"بكل فخر" بعرض بعض من تاريخ هذا الرائد العظيم -
"محمد كريم"
"أما القرينة الحبيبة الغالية.. فهى النعمة الكبرى التي أنعمها الله علي منذ فجر شبابي فكانت الضياء الهادئ لخطواتي والامتداد الطبيعي لتلك الأم الغالية.. والمنبع العذب لكل ما نعمت به من خير في دراستي وفي فني وفي علاقاتي مع عملي ومع الناس
دفعتني إلى النظام والدقة في كل ما أضع يدي فيه وملأت على الجو عطرا وصفاء نبعا من روحها ونفسها فغمرا نفسي وروحي حتى لم أعد أطيق من حولي غير الصفاء والعطر و الوضاءة النظيفة
وإليها يرجع كل ما يجيش في نفسى من خير..
فكانت ذكراها ألجا إليها دائما كلما هم الشيطان أن يوسوس إلي بالشر.. فكانت في حياتها لحياتي خيرا عميما..
وكانت في وفائها لذكرياتي أمانا وملاذا من كل شيطان رجيم..
وكانت لكل من عرفها مثلا بليغا واضحا على ما يمكن أن يكون للزوجة الصالحة من أعظم الأثار وأكثرها بركة في حياة قرينها وبيتها وأسرتها"..
من مذكرات "محمد كريم" – رسالة حب لزوجته الألمانية التي كانت شريكة حياته وعمله.
يعد المخرج الراحل "محمد كريم"
أحد الرواد الأوائل للسينما المصرية بشكلها المعروف حالياً..
وصاحب أهم كلاسيكيات في تاريخها
كما أنه أول نقيب للسينمائيين المصريين..
وأول عميد للمعهد العالي للسينما بأكاديمية الفنون المصرية..
يرصد كتاب "دراسات في تاريخ السينما المصرية" للناقد "محمود علي"
جميع حيثيات موضوعة صناعة السينما.. مستعرضاً كافة الوثائق الدالة في هذا الصدد..
وحدد المؤلف مجال بحثه، خلال الفترة من 1896 حتى 1952م، وبرر اختيار تلك الفترة..
بأن كل ما كتب حولها.. هو من ذاكرة المهتمين.. من دون الرصد الوثائقي..
ومع الصفحات الأولى يثير المؤلف قضية ريادة فنون التمثيل في مصر..
وخصوصاً مع قضية إنشاء أول معهد متخصص..
ويبين أن الشائع هو أن الرواد وأصحاب فكرة الدعوة لإنشاء معهد متخصص للتمثيل..
هم: محمد كريم، بدرخان، زكي طليمات..
وينشر المؤلف وثيقة مشروع إنشاء أول معهد على يد المحامي
"عبد الرحمن رشدي"
قدمه إلى الملك فؤاد الأول في عام 1923م..
وقد كتب على رأس مشروعه: "مشروع قانون- معهد التمثيل والسينماتوغراف..
التماس مرفوع إلى حضرة صاحب الجلالة- فؤاد الأول (ملك مصر والسودان)-
يقدمه في سبيل الإصلاح التمثيلي (عبد الرحمن رشدي)"
قال عن "محمد كريم" المؤرخ "جورج سادول" في فبراير 1965:
إن خير رواد السينما الأوائل هو "محمد كريم" وتمتاز أفلامه بالعناية والاهتمام بأصغر التفاصيل..
ولد محمد كريم في 8 ديسمبر 1896 في حي عابدين بالقاهرة..
بدأ عشقه للسينما في سن العاشرة..
عندما كان يتردد على سينما "أمبير" التي كانت من أوائل دور العرض السينمائي في القاهرة..
بهره هذا الفن الجديد والغريب الوافد من الخارج..
وشد انتباهه واهتمامه كثيراً وملك عليه كل مشاعره خصوصاً بعد أن شاهد فيلمي "أسرار نيويورك" و"فانتوماس"..
قرر "محمد كريم" أن يدرس فن السينما..
فسافر إلى روما وبرلين..
وفي برلين استطاع أن يلتحق باستوديوهات أوفا السينمائية..
حيث عمل في قسم المونتاج.. وفي خلال سنة ونصف السنة فقط أصبح أحد مساعدي المخرج الألماني "فريتز لانج"..
ما أكسبه خبرة ودراية بفن الإخراج السينمائي..
وعاد كريم إلى القاهرة بعد غياب دام سبع سنوات.. ومعه زوجته الألمانية "نعمة اللّه"
التي كان قد تزوجها أثناء عمله في ألمانيا..
والتي أصبحت في ما بعد مساعدته في جميع أفلامه وأعلنت إسلامها..
وليبدأ في تقديم تجاربه السينمائية ويخرج العديد من الأفلام التسجيلية..
وكان أولها في العام 1927 مع الفنان "محمد بيومي" بفيلم حدائق الحيوان..
يعتبر محمد كريم أول من صوّر أفلاماً سينمائية لبعض المناظر الخارجية..
التي تقع في بعض مسرحيات يوسف وهبي، ودمجها في المسرحية أثناء العرض، وفعلاً نجحت هذه التجربة الرائدة..
ونجحت بالتالي محاولات محمد كريم في إقناع صديقه بدخول مجال السينما حيث نشأت فكرة "رمسيس" فيلم..
وكان الاتفاق مع كريم على إخراج فيلم يكون باكورة إنتاج هذه الشركة..
فاختار رواية "زينب" للأديب "محمد حسين هيكل"..
لتكون بداية العلاقة بين الأدب والسينما المصرية..
حيث قدم من خلاله ولأول مرة الوجه الجديد "بهيجة حافظ" أمام "سراج منير" و"زكي رستم"..
وكان الفيلم صامتاً بطبيعة الحال لأن السينما المصرية لم تكن قد نطقت بعد
ولهذا فقد أعاد كريم إخراج هذا الفيلم ناطقاً عام 1952 بعد أن عهد ببطولته إلى "راقية إبراهيم" و"يحيى شاهين" و"فريد شوقي"..
وبعد أن نطقت السينما العالمية..
أقدم "محمد كريم" على إخراج مسرحية "يوسف وهبي" الناجحة "أولاد الذوات"..
في فيلم سينمائي من إنتاج وبطولة "يوسف وهبي" مع أفراد فرقته المسرحية..
وصورت أغلب مشاهد الفيلم في باريس، لأنه لم تكن قد أقيمت بعد استوديوهات مجهزة بمعدات الصوت أو حتى الإضاءة..
أما بقية المشاهد فقد صورت صامتة في استوديو "رمسيس"..
وأدخلت عليها مؤثرات صوتية في ما بعد..
لم تكن صناعة السينما في مصر قد عرفت فن المونتاج إلا عندما أخرج هذا الفيلم..
حيث تم عمل المونتاج في باريس وتحت إشراف كريم نفسه، ولاقى فيلم "أولاد الذوات" نجاحاً كبيراً..
عندما عرض في سينما "رويال" في الرابع عشر من مارس عام 1932..
عندما طلب الموسيقار "محمد عبد الوهاب" من "محمد كريم" أن يخرج له فيلماً غنائياً أسوة بالمطربة "نادرة" في فيلمها "أنشودة الفؤاد"..
قام "محمد كريم "بإخراج فيلم "الوردة البيضاء" عام 1933..
الذي صور الجزء الأكبر منه وسجلت أغانيه في استوديو "توبيس لانج" بباريس..
ليحقق إيرادات قدرت بنحو مائة ألف جنيه!
وهو مبلغ فلكي بمعايير هذا الوقت..
في حين تقاضى "محمد كريم" خمسمائة جنيه عن الإخراج..
وقد أخرج "كريم" في ما بعد جميع أفلام "محمد عبد الوهاب"
وحتى عام ،1959 كان "محمد كريم" قد أخرج تسعة أفلام تسجيلية قصيرة
وسبعة عشر فيلماً روائياً طويلاً
"محمد كريم" مخرج يملك حساً تاريخياً واعياً..
أما أهم ما امتاز به أسلوبه في الإخراج عموماً فهو العناية الدقيقة بالمنظر ولوازمه ومحتوياته..
واهتمامه بأدق تفاصيل كل مشهد فهو يدقق في اختيار الموضوع والممثلين والفنيين..
ويميل دائما إلى تصوير الطبيعة..
وعند تصويره للبيئة المصرية.. كان يجعلها في صورة ما ينبغي أن تكون..
كان "محمد كريم" مثالا للفنان الملتزم بفنه.. وصاحب مبادئ لم يحد عنها طوال حياته..
عاش فقيراً بالرغم من مكانته الرفيعة فنياً..
وكان يستخدم الترام في تنقلاته.. فلم يمتلك سيارة، كما أنه كان يسكن شقة متواضعة بالإيجار..
في الوقت الذي لم تفلح فيه كل وسائل الإغراء في إقناعه بالتنازل عن أيٍ من مبادئه..
يعود الفضل الفني للمخرج الرائد في اكتشاف العشرات من الكومبارس من جميع الأجناس
كما اكتشف وقدم النجمات مثل "سميرة خلوصي" و"نجاة علي" و"سميحة سميح" و"رجاء عبده"
و"ليلى مراد" و"راقية إبراهيم" و"إلهام حسين" و"زوزو ماضي"
كما أنه المخرج الوحيد الذي سجل طفولة "فاتن حمامة" على الشاشة..
حيث ظهرت وهي في الثامنة من عمرها في "يوم سعيد"
وفي الحادية عشرة في "رصاصة في القلب" وفي الرابعة عشرة في فيلم "دنيا"
كذلك اكتشف "بهيجة حافظ" في الفيلم الصامت "زينب"
و"مديحة يسري" التي ظهرت في فيلم "ممنوع الحب" لمدة ثوان
ولدت على يدي "محمد كريم" مدرسة الفيلم الغنائي المصري
بكل ملامحها وتقاليدها التي لا تكاد تتغير..
حيث هبت عاصفة "الوردة البيضاء" 1933 الذي حقق أكبر إيرادات عرفها فيلم مصري في ذلك الوقت..
حيث عرض في دور السينما لما يقرب من العام..
بل أثار معارك سياسية جانبية بين الأحزاب حين اتهمت صحف "إسماعيل صدقي" و" النحاس باشا" بركوب موجة "الوردة البيضاء" ليحظى بالتصفيق..
ثم قدم "دموع الحب" 1935 عن رواية ماجدولين..
وفي عام 1938 قدم "محمد كريم" "يحيا الحب" ثم "يوم سعيد" تأليفه وعبد الوارث عسر
و"ممنوع الحب" 1942 ثم "رصاصة في القلب" 1944 عن مسرحية لتوفيق الحكيم
و"لست ملاكاً 1946" من إعداد وإخراج "محمد كريم"..
وفي كل أفلام "محمد عبد الوهاب" السابقة
تتحدد شخصية النجم المغني التي أصبحت أحد أسس الفيلم المصري طوال هذه السنوات
حيث كانت تنعكس ملامح هذا النجم الذي كان يعد في ذلك الوقت العاشق الأعظم
والمثل الأعلى لكثير من شباب الثلاثينات
كل أيام الحب والبراءة والحلم..
حيث بدأ الناس على الشاشة طيبين وبلا هموم..
لا يشغلهم إلا الحب الذي بات مفتاحاً لكل شيء في مجتمع ناعم وخامل يغني الكل فيه ويرقص..
وفي هذه الأفلام.. ولدت أسطورة النجم المغني في الفيلم العربي..
حيث يبدو "عبد الوهاب" شاباً حالماً باحثاً عن الحب والجمال..
ونموذجاً "لدون جوان" عصري متلاف ومهذار لا يحمل هماً..
وبعد ستة أفلام مع "محمد عبد الوهاب" شعر "محمد كريم" بأنه قد ضاق بالأفلام الغنائية..
وأنه لم يستفد، وأنه ما زال كما هو ولم يتغير..
واعترف أن أغاني "عبد الوهاب" السينمائية كانت طويلة.. أطول من اللازم..
فأي أغنية في المتوسط تستغرق أكثر من ست دقائق..
فإذا حسب ما تستغرقه ثماني أغانٍ لكان الوقت نحو خمسين دقيقة
الأمر الذي يضطر إلى ضغط موضوع القصة وحذف كثير من حوادثها
فكان ذلك دافعاً له لأن يبدأ مرحلة سينمائية جديدة بعد هذه المرحلة..
عام 1943 تم اختيار "محمد كريم" ليكون أول نقيب للسينمائيين..
وذلك تقديراً لجهوده وريادته في السينما المصرية..
كما اقترن اسمه بتأسيس المعهد العالي للسينما الذي اختاره الدكتور "ثروت عكاشة"..
ليكون عميداً له منذ عام 1959 حتى 1964..
حيث شهد تخريج أول فوج من جيل السينمائيين الجديد..
ونال وسام الدولة للفنون من الدرجة الأولى وكرمته الدولة بمنحه معاشا استثنائيا مدى الحياة..
وقبل وفاته بأربع سنوات..
قدمت له الدولة منحة تفرغ لكتابة تاريخ السينما المصرية..
حيث عكف على البحث والدراسة معتمداً في ذلك على ذكرياته وذكريات أصدقائه المقربين إليه..
وذلك لعدم وجود مصادر أخرى يعتمد عليها في بحثه هذا..
ومات قبل أن يكمل كتابة هذا التاريخ، الذي عُهد بتكملته إلى المخرج أحمد كامل مرسي، حيث رحل عن عالمنا في 27 مايو 1972..
لينال بعد وفاته جائزة
الدولة التقديرية لجهوده الفنية بوصفه السينمائي الأول
و..
للحديث بقية
التعليقات