اليوم، أدعوكم لمتابعة إذاعة الأغانى، سوف تحتفل بذكرى أحد أهم شعراء الأغنية فى عالمنا العربى.. مر ٣١ عامًا على رحيله ولا تزال أغانيه نابضة بالحياة، ترسم ملامحنا، وتتحدث بالنيابة عنا، أتحدث عن الشاعر والصحفى الكبير «مأمون الشناوى».
أحببت «كامل الشناوى» فى طفولتى بنسبة خمسة إلى واحد، كان الواحد من نصيب «مأمون الشناوى»، وكانت هذه النسبة تعبيرًا صادقًا عن الفارق فى «العيدية»!!
ورحل عمى «كامل»، وظلت ذكرياتى معه كطفل يحفظ أشعاره ويحصل على العيدية، وأحيانًا على المكافآت، أما «مأمون الشناوى» فلقد كان الأمر مختلفًا، اقتربت منه وأنا دون العشرين، وامتدت صداقتى به عشرين عامًا، منذ أن بدأت خطواتى الأولى فى مجلة «روز اليوسف»، وأنا لا أزال طالبًا بالسنة الأولى بكلية الإعلام.
درست الصحافة واقتربت من أساتذة كبار، إلا أن أهم درس تعلمته من «مأمون الشناوي» هو أن أكتب دائمًا شيئًا خاصًا بى، ليس مهمًا أن يكون هو الأجمل، ولكن أكتب ما لا يستطيع أحد غيرى أن يكتبه!! لست متأكدًا إن كنت قد استوعبت الدرس فى كتاباتى السابقة أم لا، ولكنى هذه المرة أكتب عن «مأمون الشناوى» وعلاقة خاصة بعيون طفل أتاحت لى أن أقترب منه كثيرًا، فأحببته كثيرًا كثيرًا.
يومًا سألت عمى «مأمون»: ما أحب أغانيك إليك؟ ما الأغنية التى تشعر أن بها الاكتمال الفنى؟ قال لى: «ولا واحدة، لو كتبتها لتوقفت فورًا عن الكتابة»، ورغم ذلك، وربما بسبب ذلك، استمر عطاء «مأمون الشناوى» فى مجال الأغنية أكثر من نصف قرن؛ لأنه يشعر فى داخله أنه لا يزال ينشد الكمال، ولهذا منحته أغنياته لقب «الشاعر الغنائى» وليس «المؤلف الغنائى»، والفارق شاسع.
سوف أترك ما تبقى من مساحة لنستعيد معًا كلمات من أغنيات مأمون الشناوى.
فى أحد اللقاءات المبكرة مع عبد الوهاب – مطلع الأربعينيات – يكتب «انسى الدنيا»، وهى تحمل هذه الصورة الشعرية:
(مين الهنا يبقى قصاده/ وتشغله عنه همومه/ يا عاشق الليل لسواده/ فايت لمين عشق نجومه)
دخل تاريخ الأغنية «بالربيع» التى قال عنها الشاعر «بشارة الخورى» (الأخطل الصغير) إنها من أبدع الأغنيات شعرًا.. لم يتوقف فيها «مأمون الشناوى» عند حدود الأغنية الوصفية، لكنه مزج تغير فصول العام الأربعة مع تغير مشاعر الحب وتبدلها من صيف وخريف وشتاء وربيع، ولهذا يطلقون على أغنية «الربيع» فى سوريا ولبنان أغنية «الفصول الأربعة»: (من يوم ما فاتنى وراح/ شدو البلابل نواح/ والورد لون الجراح)
عندما تستمع إلى أغنية «حبيب العمر» بصوت «فريد الأطرش»، تتعامل معها على الفور باعتبارها أغنية عاطفية، بل ومغرقة فى عاطفيتها: (حبيب العمر/ حبيتك/
وأخلصت فى هواك عمرى/ لا يوم خنتك/ ولا نسيتك/ ولا ف يوم غبت عن فكرى/ فتحت عينيه من صغرى/ على حبك.. وكان أملى/ سقيتنى كاس هواك بدرى/ أسر فكرى/ وإحساسى)
تأمل الكلمات مرة أخرى، سوف تجدها وطنية، بل مغرقة فى وطنيتها، «حبيب العمر» هو «الوطن»، هكذا كتبها «مأمون الشناوى» عن الوطن الحبيب، السياق الدرامى للفيلم الذى حمل نفس الاسم، ولعب بطولته «فريد الأطرش»، جعلنا نستقبلها فقط كواحدة من أشهر أغنيات «فريد» العاطفية!!
مع «أم كلثوم» أتذكر له «بعيد عنك»، التى رددتها «أم كلثوم» شعرًا فقط وسُجلت على شريط كاسيت قبل أن تغنيها ملحنة:
(خد من عمرى عمرى كله/ إلا ثوانى/ أشوفك فيها)
وأتذكر له من «كل ليلة وكل يوم»:
(كل نار تصبح رماد/ مهما تقيد/ إلا نار الشوق/ يوم عن يوم تزيد)
سر مأمون الشناوى أنه لا يكتب فقط مما يشعر به، ولكنه يكتب وكأنه يتنفس!!
التعليقات