السينما الصامتة.. 1907-1939
التجارب الأولى
الجزء الحادى عشر
من "ليلى" الى "زينب"
نساء السينما المصرية.. طلعت حرب محمد كريم .. والأخوين لاما الرواد..
ومرحلة تمصير السينما المصرية!
"زينب" (1) -الجزء الأول-
قال الشاعر
"كن على الصدق مقيما والأدب.. والزم العلم بفهم وطلب
واتق الله بقلب خاشع واجتنب.. ظلمة أنواع السبب".
عام 1930
أخيرا وبعد عذاب..
استطاع "محمد كريم"
أحد أهم رواد السينما المصرية بإخراج فيلم
"زينب"!
وهو أول فيلم مصري يُأخذ عن "عمل أدبي"
وهو رواية
"زينب" للكاتب "محمد حسين هيكل"
وللمفارقة فإن هذه الرواية تعد أول رواية مكتملة "أدبيًا "من وجهة نظر النقاد
وكان هذا الفيلم من أهم التجارب السينمائية
التي أنتجت في هذه الفترة
حيث ألقت الضوء على "حياة الفلاحين والبسطاء"
من الشعب المصري
حيث
دارا الفيلمين السابقين "ليلى" و"قبلة في الصحراء"
في إطار حياة "البدو والأجانب" وغيرها
والتي لم تقترب من الشارع المصري ولا نبضه
كانت تجربة زينب أهم تجربة في مرحلة السينما الصامتة
والذي أخرجه "محمد كريم" وتم عرضه في سينما "متروبول" في 12 مارس 1930
كانت قصة زينب أول قصة مصرية تنشر كتبها مؤلفها الدكتور "محمد حسين هيكل" عندما كان يدرس القانون في فرنسا سنة 1910 ونشرها في كتاب سنة 1914
ولكنه لم ينشرها باسمه وأنما سجل على الغلاف أنها
"مناظر وأخلاق ريفية.. بقلم مصري فلاح"
وكان "محمد كريم" قد قراء قصة "زينب" عندما كان يدرس السينما في ألمانيا.. وأعد سيناريو لإخراجها على الشاشة.. ولكنه لم يجد منتجا واحدا يقبل إنتاج هذا الفيلم.
حتى في ألمانيا رفضت شركة "أوفا" السينمائية
مشروع "كريم" بأن يكون الفيلم إنتاجا مصريا ألمانيا مشتركا..
لم يجد "محمد كريم" من ينتج له فيلمه...
فلم يكن ليتحمس أحد..
لإنتاج فيلم يدور في "الريف عن حياة الفلاحين "!
خصوصًا
أن معظم المنتجين في هذا الوقت كانوا من "الأجانب"
ومنهم "باردي" صاحب سينما "أوليمبيا"..
لذلك استعان "محمد كريم" بصديقه مدير فرقة "رمسيس المسرحية"
"يوسف وهبي"
واستطاع إقناعه بإنتاج الفيلم وبالفعل وافق "يوسف" على إنتاج
الفيلم..
ولذا لضمان تلك المغامرة.. تم تصويره بأقل الإمكانيات الممكنة!!
وجدير بالذكر
أن "محمد كريم" استخدم كاميرا مثبتة على قاعدة خشبية
مربوطة إلى بكرة يجلس عليها المصور أيضًا
ويتم رفعها عن طريق شد الحبال فترتفع الكاميرا وعليها المصور
وهي أقرب فكرة للكاميرا كرين!!!
وقد استغرق تصوير هذه اللقطه 3 ساعات!
وتكلفت أحد عشر جنيها!
وقد استمر تصوير الفيلم كله سنتين.. لم يكن التصوير فيها يجري كل يوم..
بل أن عدد أيام التصوير لم يزد عن 64 يوما..
وأنما اقتضى تصوير بعض المشاهد انتظار حلول فصل جديد من فصول السنة..
فمثلا في مشهد واحد تظهر "زينب" مع حبيبها الفلاح الفقير "إبراهيم"
تحت شجرة جميز كبيرة.. وسط الحقول في فصل الربيع
وكل ما في الأرض أخضر وجميل ويانع..
وفي مشهد آخر في نفس المكان نرى "زينب" وحدها تعيسة حزينة وحيدة بدون حبيبها
لأنها أصبحت رغم إرادتها زوجة لفلاح ثري..
وهنا نرى الطبيعة في صورة مختلفهة.. فأغصان الأشجار أصبحت عارية وكل ما كان أخضر يانعا وجميلا
غدا داكنا وقبيحا!. ولكن
رغم ذلك ظهر الفيلم بمستوى مُشرّف وحقق نجاحًا هائلاً...
بل و استطاع "محمد كريم" أن يسبق – تاريخيا - تيار الواقعية الجديدة الإيطالي
في الأربعينات بما يقرب عشرون عامًا!!!
حيث صوّر الفيلم في أماكنه الطبيعية بإحدى قرى الريف
مستعينًا بالفلاحين الحقيقيين كممثلين في فيلمه..
ليسو ككومبارسات أو كمجاميع
بل كممثلين رئيسيين في الفيلم!
بل أن بعضهم قام بأدوار رئيسية مثل الشيخ "حسن الكاملي" ناظر الزراعة الذي قام بدور والد "زينب"..
وعندما أراد" محمد كريم" أن يجعل هذا الأب يبكي في مشهد وفاة ابنته لم يستطع الشيخ "حسن" أن يبكي..
وصور المشهد أكثر من مرة والشيخ "حسن" لا يستطيع أن يبكي..
وأخيرا طلب "محمد كريم" من "علوية جميل" أن تجلس إلى جوار الكاميرا وعندما يدخل الأب إلى غرفة ابنته ويراها جثة هامدة..
تنطلق "علوية" في الصراخ وتلطم وجهها وهى تقول "يابنتى باحبيبتي.. ياروح أمك يا زينب..!"..
وما كاد الشيخ "حسن" يدخل الغرفة والكاميرا تدور حتى فوجئ بهذا الصراخ فانفجر باكيا وتم تصويرالمشهد بنجاح..
ولم يكن الفلاحون هم وحدهم اللذين يمثلون لأول مرة..
بل أن كل أبطال الفيلم وهم:
"بهيجه حافظ" و "زكى رستم" و "سراج منير" و" دولت أبيض" و"علوية جميل"
كانوا جميعا يقفون أمام الكاميرا لأول مرة..
ولكي يساعد "بهيجة حافظ" على الاندماج في دورها استخدم "محمد كريم"..
عازفا على الكمان جعلة يقف خلف الكاميرا ويعزف ألحانا مؤثرة..
وهذا العازف هو "دافيد" رئيس أوركسترا مسرح رمسيس..
تم تصوير الفيلم
في الريف المصري وتدور أحداثه حول "قصة حب"..
بين "زينب" و"إبراهيم" الفتى القروي البسيط.
وقد ذهب "محمد كريم" إلى هذه القرية قبل تصوير الفيلم ورأى بيت "زينب الإمام" ورأى جيرانها وأفراد أسرتها ثم اكتشف هناك سرا عجيبا
وهو أن مؤلف القصة الدكتور "هيكل" نفسه كان يحب "زينب"!
قام "محمد كريم" بإرسال إحدى مشاهد الفيلم لتلوينه في فرنسا يدويًا
وكان طوله 400 متر وكان تكلفة تلوين المتر الواحد جنيه أي تم تلوين المشهد
بأربعمائة جنيه
مما يعني
ثروة كبيرة وقتها من أجل تلوين مشهد واحد في فيلم صامت..
ولم تنتهى المشاكل بإنتاج الفيلم..
بل كانت هناك مشكلة أكبر تنتظر المنتج
وهي مشكلة توزيع الفيلم..
فلم تكن هناك شركات توزيع بل كانت كلها شركات إنتاج فقط!
نشرت مجلة الصباح في 28 نوفمبر 1930 الإعلان التالي
بعد العرض الأول للفيلم في سينما "متروبول":
إلى حضرات أصحاب ومديري دور السنيما بالقطر المصري..
كل من يريد استثمار هذا الفيلم العظيم فل يخابر "صديق أحمد" متعهد الحفلات المعروف..
المخابرة يوميا بمطبعة الرغائب بشارع محمد علي بدار المؤيد بمصر"!!
وعُرض الفيلم في 1930 ولاقى نجاحًا شديدًا
الأمر الذي شجع مخرجه محمد كريم على إعادة إنتاجه في
1952 ولكن بالتقنية الناطقة.
هذا
وكانت قد دخلت السينما العالمية نطاق الأفلام المتكلمة بفيلم
"مغني الجاز" عام 1927
وبعدها في مصر "بخمسِ سنوات" حيث كان فيلم
"أولاد الذوات"
"لمحمد كريم" أيضًا هو أول فيلم مصري "ناطق" يعرض في مارس من عام1932
"الهدف النهائي للحياة هو الفعل وليس العلم..
فالعلم بلا عمل لا يساوي شيئاً..
نحن نتعلم لكي نعمل"
توماس هكسلي
و..
للحديث بقية
التعليقات