يفرض شح مصادر المياه العذبة المتجددة وزيادة الطلب عليها على الدول العربية حتمية اللجوء نحو صناعة تحلية مياه البحر أو المياه الجوفية عالية الملوحة، للوفاء بتلبية الاحتياجات المتزايدة لمصادر المياه اللازمة لقطاعات التنمية المختلفة وعلى رأسها القطاع المنزلي والترفيهي وربمل في المستقبل الزراعة وخصوصاً الزراعة غير التقليدية عالية الكفاءة في إساخدام المياه. غير أن هناك عددا من التحديات تواجه صناعة التحلية في الوقت الراهن. أولها التكاليف المرتفعة حيث تتراوح تكلفة المتر المكعب من مياه التحلية ما بين نصف إلي 2 دولار. وتؤثر على تكلفة التحلية عوامل كثيرة أهمها سعر الطاقة والأراضي وتكلفة العمالة والمواد المستخدمة في إنشاء هذه المحطات والتي تسورد من خارج المنطقة العربية وأيضا نوعية المياه البحر وطريقة التحلية نفسها. يضاف إلي ذلك تكلفة نقل وتوزيع المياه المحلاه إذا كانت المناطق المستهدف تغذيتها بالمياه بعيدة عن مصدر المياه المالحة التي يتم تحليتها. وتساهم تكلفة الطاقة وحدها بما يتراوح بين 30% إلي 40% من إجمالي تكلفة التحلية. ويعتمد إستهلاك التحلية على نوع وطريقة التحلية المستخدمة وهناك نوعين هما ألأشهر إستخداما في الدول العربية وعالمياً هما الطرق الحرارية بالتبخير أو طرق الأغشية وأهمها التناضح العكسي. وتعتبر طريقة التحلية بالأغشية بالتناضح العكسي أقل إستهلاكا للطاقة حيث يتراوح إنتاج المتر المكعب بهذه الطريقة من 4 إلي 6 كيلووات/الساعة وفي أحدث التجارب التي نقوم عليها في أبوظبي إستطعنا أن نصل إلي 3,6 كيلووات/الساعة بإستخدام طرق حديثة من الأغشية تعرف بالتناضح الأمامي بينما يصل إستهلاك المتر المكعب من المياه العذبة بالطرق الحرارية بالتبخير من الطاقة الحرارية إلي ما يساوي من 15 إلي 23 كيلووات/الساعة. وتتراوح كفاءة هذه النوعية من المحطات الحرارية ما بين 25% لإلي 40% لذا فإن هناك عام عالمي إلي التوسع في محطات التحلية بالأغشية وتطوير تقنيات حديثة منها أقل إستهلاكا للطاقة. غير أنه في كثير من الدول العربية وخصوصاً في دول الخليج العربي يرتبط إستخدام محطات التحلية لتوليد الطاقة الكهربية والمياه في آن واحد بما يسمى المحطات المشتركة نظرا لعدم وجود مصادر أو بدائل أخرى تكفي لسد الإحتياجات من الطاقة الكهربية. ولكن مع تنوع مصادر الطاقة مثل الطاقة المتجددة والطاقة النووية والفحم النظيف وطاقة الرياح فقد تتمكن الدول العربية من زيادة سعتها الإنتاجية من محطات التحلية بالأغشية المتطورة.
يعتبر ثاني التحديات هي الآثار البيئية لمحطات التحلية والتي تظهر منذ بداية عملية تشييد المحطة على الشاطئ وبناء المداخل والمخارج داخل البحر حيث يتم تغيير صفة استعمال الأراضي في تلك المنطقة، وتقوم الآليات والمعدات بمدمك الرمال مما يؤثر على الكائنات الدقيقة المتواجدة على الشاطئ، بالإضافة إلى ذلك فإن الحفريات تعمل على تفتيت التربة وزيادة المواد العالقة والراسبة في المياه والتي بدورها تحجب ضوء الشمس عن النباتات المائية وتمنعها من إتمام عملية التمثيل الغذائي ، كما أن وجود هذه المواد يعيق عملية التنفس لدى الأسماك والأحياء البحرية .كذلك فإن هناك العديد من الآثار أثناء عملية التشغيل ومنها المساهمة في إنتاج غازات الدفيئة المسببة للإحتباس الحراري. وتشير نتائج حصر الإنبعاثات الغازية في بعض دول الخليج العربي إلي أن قطاع إنتاج الطاقة والمياه من محطات التحلية يأتي في المرتبة الأولى بنسبة تترواح من 24 إلي 30% من إجمالي الإنبعاثات الغازية في هذه الدول وتصل قيمة الإنعاثات الغازية إلأي حوالي 2 كيلوجرام لكل متر مكعب من المياه المحلاه. كذلك فإن تصريف المياه عالية الملوحة الراجعة الناتجة عن عملية التحلية إلي البيئية البحرية يؤثر على على هذه البيئية نتيجة الملوحة العالية وفرق إرتفاع درجة الحرارة مما يستلزم تبريدها قبل ضخها مرة أخرى إلي البيئة البحرية والتي عادة ما تكون درجة حرارتها أعلى من درجة حرارة مياه البحر الطبيعية بحوالي 7 إلى 10 درجات مئوية وذلك في حالة التحلية عن طريق الطرق الحراية بالتبخير .كذلك إحتواء هذه المياه عالية الملوحة الراجعة على مواد كيماوية معقدة والتي تضاف لمياه البحر قبل دخولها المحطة بهدف تعديل درجة الحموضة والتطهير ومواد منع التآكل والرواسب وتكون الرغوة وخلافها.
بالرغم من التطور الكبير في تكاليف التحلية إلا أن ثالث التحديات التي تواجه صناعة التحلية هي التكاليف المرتفعة مقارنة بموارد المائية الأخرى. وتؤدي هذه التكاليف إلي الكثير من الآثار الإقتصادية في ظل التكاليف الحالية المرتفعة لإنتاج المتر المكعب من مياه التحلية والذي يتراوح بين نصف إلي أثنين دولار والتي تتحملها الموازنات السنوية للدول العربية المنتجة لمياه التحلية، خصوصاً في ظل الدعم الكبير للمستهلكين والذي يصل إلى 60% من إجمالي التكاليف الحقيقية لإنتاج ونقل وتوزيع مياه التحلية وخصوصا في دول الخليج العربي. ويأتي ذلك بسبب الإستهلاك المرتفع للطاقة وكذلك إرتفاع سعر المواد الأساسية المستخدمة في إنشاء هذه المحطات والتي تسورد من خارج المنطقة. وتشير هذه الدلالات بصورة واضحة إلى أن الاستثمار في تقنيات إنتاج صناعة تحلية المياه يحمل في طياته عوامل استراتيجية وإقتصادية وإجتماعية غاية في الأهمية.
د. محمد عبد الحميد داوود
مستشار الموارد المائية، أبوظبي ، دولة الإمارات العربية المتحدة
التعليقات