لا أعلم لماذا لا نتعلم من تجارب الآخرين في حل بعض الأزمات، وكأننا خُلقنا ليتعلم منا الجميع، فالأخذ من الآخر لا يعني بالضرورة أنه الأفضل أو العكس، كما أن إعطاء الآخر أيضاً لا يعني أننا الأفضل أو العكس، وأتحدث هنا تحديداً عن الإرهاب سواء كان هؤلاء الإرهابيون تابعين لجماعة الإخوان المسلمين أو تابعين لجماعات أخرى منشقة عنها أو متأثره بفكرهم الإرهابي والمتشدد والذي يُعلن الحرب على كل من يُعارضونهم، ويستحلون دماء كل من يُعارض أفكارهم.
فلا توجد دولة في العالم لم تطلها يد الإرهاب، وسيظل الإرهاب حتى يصل إلى كل بقعة في الأرض مادامت قوى الشر هي التي تحكم هذا العالم، ولا ترجو له أن يعيش في سلام، لأنهم يعيشون على دماره، ورغم أنهم يعرفون جيداً أن القضاء على الإرهاب لن يكون بالأسلحة المعقدة ولا بالرؤوس النووية إلا أنهم لا يتوانون عن تسليح جميع الأطرف المتصارعة.
وكما قال مهاتير محمد في خطبته بماليزيا عام 2004: "إن الإرهاب ليس كالحرب التقليدية، حيث لا يمكن للأسلحة المعقدة ولا الرؤوس النووية أن تهزم الإرهاب، فالهجمات الإرهابية هي حرب الضعفاء ضد الأقوياء".
ومن التجارب المهمة في مواجهة الإرهاب والتي أرجو أن نستفيد منها، التجربة الروسية، وأتحدث تحديداً عن التجربة الروسية لأن ما نتعرض له الآن لا يٌقارن بما تعرضت له روسيا في معركتها مع الإرهاب، والتي بدأت مبكراً عقب انهيار الاتحاد السوفيتي مباشرة عام 1991، حيث تلونت شوارعها بلون الدم، وفي عام 1994 كانت العملية الإرهابية الأولى المنظمة، وهي اختطاف رهائن من حافلة ركاب، وفي عام 1995 احتجاز رهائن في مستشفى مدينة بوديونوفسك، وفي عام 1996 اختطاف 3 آلاف رهينة في دار الولادة في مدينة كيزليار.
وتوالت عشرات بل ومئات العمليات الإرهابية التي كانت حتماً تنتهي بخسائر بشرية، ورغم قوانين الإرهاب المتتالية التي وافق عليها مجلس النواب الروسي إلا أن القانون الأخير الذي أعلنه العام الماضي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بات الأكثر قوة وتأثيراً، حيث يقضي بتحميل عائلات "الإرهابيين" مسؤولية التعويض مالياً عن الأضرار التي يمكن أن تكون وقعت بسبب أعمال أحد أقربائهم، وسيكون هؤلاء مجبرين على دفع الأضرار التي تسبب بها هذا الشخص.
وقد حدد القانون الأقرباء حتى الدرجة الرابعة، والذكاء في هذا القانون أنهم أدركوا أن هذا الإرهابي قد يتخفى عن الجميع، لكنه لن يستطيع أن يتخفى عن أقربائه أو من يعيش معهم، وفي الأيام الأولى لصدور هذا القانون، توالت البلاغات عن إرهابيين من أقربائهم أنفسهم حتى يتمكنوا من إخلاء مسؤولياتهم أمام الدولة والقانون، وحتى لا يتحملوا جرائم غيرهم.
ونجح القانون في شهوره الأولى في السيطرة على الإرهاب في روسيا، وكذلك في الوصول إلى إرهابيين خطيرين ما كان الأمن ليصل لهم من دون الإرشاد عنهم، وكأن فلاديمير بوتين بهذا القانون أجبر جميع أفراد المجتمع على العمل لدى أجهزته الأمنية كمرشدين أمنيين.
ويتضمن القانون أيضاً عقوبة تصل إلى السجن لمدة تصل إلى 20 عاماً لمن يشارك في تشكيل تنظيم إرهابي، والسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات لأي شخص "يتلقى تدريباً الهدف منه تمكينه من ارتكاب أعمال إرهابية"، وخصوصاً التدريب على كيفية التعامل مع المتفجرات والأسلحة.
كما يقضي القانون بفرض عقوبة تصل إلى 6 سنوات على أي شخص ينضم في الخارج إلى مجموعة إرهابية تعتبر نشاطاتها مؤذية لمصالح روسيا.
كلمة أخيرة قالها الكاتب والمفكر الراحل فرج فوده:
الإرهاب لا يعيش، ولا ينمو، إلا في ظل الديماجوجية، وعندما تفقد العين القدرة على التمييز بين الإرهاب والشرعية.
محمد منير
رئيس التحرير
التعليقات