ماذا لو كان مرتكب جريمة لاس فيجاس الذي قتل 50 امريكيا واصاب 500 اخرين مسلما؟ كان سيغرد الرئيس ترمب بأنه تنبأ بذلك الإرهاب، وكان اتخذ الكونجرس اجراءات لمعاقبة الدولة موطن القاتل الارهابي، هذا ما طرحه للكاتب الأميركي، توماس فريدمان، بمقاله بصحيفة "نيويورك تايمز"(3 اكتوبر 2017)
ولكن المفارقة أنه لم يوصف منفذ هجوم لاس فيجاس بالإرهابي، ولم تتحرك الآلة الإعلامية العالمية في الهجوم على الارهاب ودين الشخص الذي ينتمي إليه!
إدانة الإرهاب مسألة مفروغ منها ، وقد سارع علماء وزعماء المسلمين بإدانة كل حادث إرهابي ينسب لمجموعات تنتمي للإسلام ولو بالاسم، ولكن علينا أيضا أن ندين العنصرية في التعاطي مع الإرهاب، بمعني أننا نجد الإدانة تكون عالمية اي من مؤسسات دولية وزعماء العالم إذا كان مرتكب الجريمة الإرهابية مسلم، وعادة ينعت المدان بانتمائه الديني (إسلامي)، أما إذا كان غير مسلم فالأمر يختلف ، فقد يدان وقد لا يدان، وإذا أدين ينعت بانتمائه الوطني او العرقي وليس الديني.
الحقيقة ان هذا التحيز اكتشفته مبكرا وبشكل علمي ، حيث كنت أعد خطة مبدئة لمشروع بحثي للدكتوراه حول صورة المسلمين بالصحافة الغربية، في تسعينات القرن الماضي، فبحثت في محركات البحث عن كلمات مفتاحية (مسلم/ إسلامي ) وفوجئت أن 90 % من المواد الإعلامية الواردة فيها هذه الكلمات تتناول عمليات عنف او أرهاب توصف بالإسلامي.
قادني ذلك إلى البحث في مدي حدوث نفس النهج مع أهل الأديان الأخرى، فتبين لي ان المعالجة الإعلامية تمضي بنهج مغاير، في مواقع عديدة وعلى مستويات مختلفة، ومنها ان بعض وسائل الإعلام الغربية في نقلها لحوادث اعتداء المتطرفين اليهود على العرب في فلسطين لا تصفهم بأنهم يهود وإنما بمستوطنين ،وكذلك قليلا ما تتحدث وسائل الإعلام العالمية عن إرهاب الدولة التي تمارسه سلطات الاحتلال بشأن الفلسطينيين في حوادث ممتدة منذ النكبة، بل على العكس قد نجد تمجيدا للعمل الإرهابي، ففي 25 فبراير 1994م اقتحم يهودي أمريكي (باروخ جولد شتاين) مسجدا بمدينة الخليل وقتل 29 مصلياً فلسطينياً، وتفاعلا مع هذه الجريمة النكراء اعتبرت بعض المجموعات اليهودية في أمريكا وإسرائيل جولد شتاين قديساً وبنوا له الأضرحة والمزارات ولم تشر وسائل الإعلام التي تناولت هذا الموضوع إلى جولد شتاين ولا إلى أولئك الذين اعتبروه قديساً وبنوا له الأضرحة بأنهم يهود متعصبون وإرهابيون أو يؤيدون الإرهاب.
بل أن الإعلام العالمي تعامل مع شارون رئيس وزراء إسرائيل الأسبق بدون وصفه بالإرهابي على الرغم أنه ضالع في مجزرة التي قتل فيها 2000 من الرجال والنساء والأطفال في مخيم صبرا وشاتيلا بلبنان.
ووجدت أن هذا المنهج المتحيز حاضرا بوضوح، على مستوى آخر، خلال الحرب التي قادها الصرب ضد مسلمي البوسنة، حيث كان الإعلام الغربي يوصفها بأنها معارك بين الصرب و المسلمين ، وفي ذلك مفارقة وازدواجية، لأن التصنيف إما يكون على أساس العرق أو على أساس الدين، ولكن لأن المعتدى هنا الذي ارتكب جرائم حرب ليس مسلما فتم استخدام معيارين، معاير العرق لوصف الصرب الذين اعتدوا على المسلمين حتى لا يوصف القتلة هنا بأنه مسيحيين، ومعاير الدين لوصف مسلمي البوسنة !
ثم قارنا كيف كان الإعلام العالمي فصيحا وإنسانيا وهو يتحدث عن الفصل العنصري في جنوب افريقيا بينما يغفل الفصل العنصري في اسرائيل من جدار عازل الي مستوطنات يهودية الى مدارس خاصة باليهود.إلى الحديث عن دولة لليهود فقط.
ولاحظت اضطراد هذا النهج المتحيز على مستوى ثالث، ففي هذه الأيام لا تصف وسائل الإعلام الغربية البوذبيين الذين يقتلون مسلمي الروهينجا في ميانمار ويحرقونمنازلهم بأنهم إهابيين ولا تستخدم مصطلح "الإرهابي البوذي" وانما تصف تلك الجرائم بأنها «عنف طائفي».
تخيلوا لو كان مسلمي الروهينجا، هم الذين يقتلون البوذيين، كنا سنرى سيول من الحملات الإعلامية و الإدانات الدولية واستخدام الفصل السابع في مجلس الأمن وانتاج أفلام عن وثائقية وأخرى روائية في هوليوود وبوليوود، والحديث عن إنشاء مناطق أمنة لحماية البوذيين من "المسلمين الإرهابيين المتوحشين"
وهناك مثال احدث وهو حصول حزب البديل لأجل المانيا المتطرف الذي يرفع شعارات معادية للإسلام ويطالب بمنع الأذان والحجاب، على المركز الثالث بالبرلمان الألماني، تخيلوا لو أن اي حزب في دولة إسلامية رفع شعارات معادية لأديان أخرى كيف كانت ستقوم الدنيا ولا تقعد؟
الأدهى من ذلك إنه في ظل هذه الازدواجية في المعايير ،لا يتم التمييز بين الدفاع المشروع عن النفس في حالات الاحتلال، وبين العمل الإرهابي.
فمتى تتوقف هذه العنصرية في التعاطي مع الإرهاب؟ ومتى يمتنع الإعلام العالمي عن الكيل بمكيالين حتى في موقفه من الممارسات الإرهابية ؟
التعليقات