جرأة فى الرصد والتعبير أتابعها فى العديد من الأفلام المشاركة فى مهرجان (البحر الأحمر)، خاصة تلك التى تحمل الجنسية العربية، الواضح أن سياسة المهرجان تقضى بزيادة مساحة التمثيل العربى، حتى لو لم تكن هناك مسابقة مستقلة مثل مهرجان (القاهرة)، إلا أنه يسعى ليصبح هو العنوان، المهرجان لا يتبع الاتحاد الدولى للمنتجين مثل (القاهرة)، ولهذا يحق له أن يضم إلى المسابقة الرسمية، الأفلام التى سبق أن شاركت فى مهرجانات أخرى.
فى عدد كبير مما شاهدناه خروج عن السائد والمتعارف عليه، ويجب أن نضيف أن بعضها لا تكتفى فقط السعودية بعرضه، لكنها تشارك أيضا فى إنتاجه، وهى خطوة مهمة تترجم بوضوح شعار (أمواج التغيير)، الذى صار هو (اللوجو) الرسمى، وأهم من الشعار أن الجمهور يقبل بشغف على عروض الأفلام، وشباك التذاكر له مردود واضح، تلمح ذلك فى السوق الشعبية الموازية، فى مدينة (جدة) القديمة، حيث عدد كبير من دور العرض تقدم الأفلام. الإقبال الحميم جزء من الحالة، والأهم هو السعادة التى تسكن القلوب قبل الوجوه، حتى البسطاء الذين لا يدركون على وجه الدقة ما الذى يعنيه (المهرجان) إلا أنهم يبتهجون بالتجربة.
فيلم (سولا) لإسعاد صالح أول تجربة فى مجال الفيلم الروائى الطويل للمخرج الجزائرى، ينطبق عليه توصيف (سينما الطريق)، فى ليلة واحدة برصد أطياف المجتمع، من خلال امرأة مطلقة ترعى ابنتها الرضيعة، تجد نفسها فى الشارع، ترفض أن تبيع شرفها، وتنتقل من مكان إلى آخر، بحثا عن مأوى، ومن خلال السيارات التى تستجير بها مرغمة، نتعرف على أنماط المجتمع الذى تتعدد مشاربه وأفكاره، وننتقل أمام صديقين وجدا فى (سولا) فرصة لتفريغ فحولتهما تباعا، وعليها الإذعان وإلا مصيرها الضرب لو حاولت الفرار، فى السيارة يستمعان لأغنية بموسيقى صاخبة، فى نفس اللحظة، انطلق صوت أذان الفجر، فأغلقا المذياع، بمجرد الانتهاء من الأذان أكملا بضمير مستريح جريمة الاغتصاب.
السينما تقدم المشاهد الجريئة، ليست لأنها كذلك، السينمائى ينتقى بعينه الموقف الدال على التعبير عن زيف التدين الشكلى، عاشت الجزائر منذ مطلع الثمانينيات وحتى التسعينيات ما أطلقوا عليه (العشرية السوداء)، كان المتطرفون يذبحون كل من يختلف معهم ويسعون لتطبيق ما وصفوه بالدين الإسلامى، ابتعدت التنظيمات الإرهابية عن صدارة المشهد، إلا أن أفكارهم لاتزال تتنفس.
لا تجد (سولا)، فى نهاية الأمر، سوى أن تضع ابنتها فى صندوق خشبى وتدفع بها إلى البحر، مرددة أن العالم قاسٍ، ولهذا ستتركها، ومن خلقها سيرعاها.
لم أرتح لتلك النهاية برغم استحواذها على التصفيق والدموع، المقصود توجيه صرخة تؤكد أن المستقبل مظلم وضبابى، إلا أن اللجوء إلى إلقاء الطفلة فى البحر هو فعل إجرامى لا يمكن تبريره واقعيا أو دراميا، حتى لو كان الحل الوحيد للهروب من قسوة العالم.
الفيلم تلمح فيه استخدام إضاءة تعبر ليس فقط عن تغير الزمن الواقعى، لكن النفسى الذى تعيشه (سولا)، وبأداء الممثلة واسمها أيضا (سولا بحرى)، وطبقا للأوراق المتاحة، القصة تحمل جزءا من حياتها، لعبت البطولة وشاركت فى الكتابة والإنتاج.
ليس مهما أن تعيش الحالة لتعبر عنها بصدق، أغلب من يعيشون الواقع لا يستطيعون تجسيده أمام الكاميرا، بينما وبدرجة كفاءة عالية أجادت سولا بحرى الدور، وصارت واحدة من أكثر المرشحات لنيل جائزة أفضل ممثلة.
التعليقات