تابعت باهتمام خلال الأسبوع الماضي أعمال الدورة الـ21 من ملتقى الشارقة للسرد والذي أقيم في العاصمة المصرية القاهرة، ذلك الملتقى الذي يُعد منصّة بارزة للحوار وتبادل الرؤى وساحة للتواصل الثقافي العربي. وبالطبع تابع الملتقى وتتبع أخباره كل محب للإبداع والثقافة والأدب، خاصة وأن الملتقى يحظى برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محـمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وأحد أعلام الفكر والثقافة في الوطن العربي، والذي يتطلع دومًا لدعم الأدب العربي وتعزيز مكانته عالميا. كان عنوان الملتقى هذا العام ملفت للأنظار وهو "الرواية والذكاء الصناعي"، وهو بلا شك عنوان يُعبر عن عصر جديد تحاول فيه الآلة أن تحاكي الإبداع البشري.
لم تكد البشرية تنتهي من محاولات مجاراة الثورة الرقمية التي أدت إلى حالة من الانفجار المعرفي إلا وقد ظهر الذكاء الاصطناعي بتطبيقاته المذهلة التي تغلغلت في كل مناحي حياتنا. لذلك حرص المشاركون في الملتقى من نقاد وكتاب وأدباء على مناقشة ذلك الأمر بجدية ودراسة تأثيراته العميقة على آليات التاليف والكتابة. وإذا كانت الرواية العربية تواجه تحديات متعددة فإن دخول الذكاء الاصطناعي في عالم كتابة الرواية يضعنا أمام تحديات جديدة أخرى لكنها هذه المرة تحديات شديدة التعقيد. أصبحنا نسأل أنفسنا، هل نحن أمام شكل جديد للرواية في زمن الذكاء الاصطناعي؟!
ستظل الرواية عملًا أدبيًا إنسانيًا ينبع من مشاعر الكاتب نتيجة تفاعلات فكرية بينه وبين مجتمعه، وتتسم بالمرونة والمزج بين الواقع والخيال والسفر عبر الأزمان. إن ما يكتبه الذكاء الاصطناعي من كتابات يصعُب – على الأقل في رأيي الشخصي - أن نسميها أعمالًا أدبية. في واقع الأمر مهما بلغت الآلة من تطور فلا يمكن لها أن تحاكي البعد الإنساني أو تشعر بمعاناة البشر أو تجاري التطور الحضاري والثقافي المستمر للمجتمعات. أعتقد أن الفارق بين الرواية العادية والرواية المُخلّقة بالذكاء الاصطناعي لا يزال كبيرًا جدًا. إن الأعمال الأدبية التي تُنتَج بواسطة الذكاء الاصطناعي - وخاصة في الغرب - يغلب على موضوعاتها السطحية فضلًا عن تركيزها على موضوعهات بعينها مثل الخيال العلمي وقصص الرعب وهو ما يجذب شريحة معينة من القراء أكثرهم من الأطفال والشباب صغير السن.
أعتقد أنه كلما تطورت تطبيقات الذكاء الاصطناعي زادت التحديات التي تواجه مستقبل الكتابة أو الإبداع بوجه عام. ما زال الأمر يحتاج للمزيد من البحث والدراسة، وكلنا ثقة في المثقفين والمفكرين والأدباء في عالمنا العربي أنهم سيعالجون هذه المسألة بحكمة لحماية مستقبل السرد العربي، وسيتم عاجلًا أو آجلًا وضع الذكاء الاصطناعي في موضعه الطبيعي كأداة تقنية مساعدة للمبدعين والكتاب.
بـاحث في التــاريخ والتـراث.
التعليقات