مسرحية "نجيب محفوظ بداية ونهاية" عنوان يتماس مع رواية محفوظ "بداية ونهاية". حيث كتب أحمد فضل شبلول عن نجيب محفوظ ولقاءاته.
في هذه المسرحية يلتقي الكاتب، وهو الشخصية التي تحاور محفوظ، بمحفوظ بعد ما قام باستدعائه للبوح بالأسرار وملء الفراغات. لا الفراغات فقط، ولكن ثمة رواية جديدة يكتبها محفوظ.
تبدو هذه المسرحية قصة النهاية، ومحفوظ هو محورها، وبطل اللحظات الدرامية الأولى الجبلاوي، وهي لحظة التأهب والاستعداد للنهاية. لكن الكاتب أحمد فضل شبلول. يؤكد في حواره مع محفوظ أن الهدف تسجيل اللحظات المهمة في عالم نجيب محفوظ واسترجاع الذكريات والوقوف أمام فلسفة الحياة التي عمل جاهدًا على إرسائها.
يعد الفصل الأول أطول فصول المسرحية، حيث قدم الكاتب تسعة مشاهد. تظهر صور شخصيات حقيقية مثل محمد سلماوي وعطية الله إبراهيم (زوجة نجيب محفوظ)، وابنتاه والكاتب والمتحدث الرسمي، والشيخ المعمَّم ود. وكمال عبدالجواد.
قسم الكاتب المسرحية إلى ثلاثة أقسام إضافة إلى شاشة كبيرة تُشعر المشاهد بعمق المسرح، وتستخدم بقعة الضوء للتبئير على الشيخ وعلى المتلقي/القارئ، وهو ما يشير إلى أن الحركة على المسرح مأخوذة من السينما. ففكرة التسجيل تجمعهما بين الماضي والمستقبل، فنجيب محفوظ لا يخطط للموت بل للحياة. إنه خبر الحياة. فعالم محفوظ زخم بمشاهد ووقفات وأحداث وإخفاقات. ويستعين أحمد فضل شبلول بالمونولوج كأداة في غير مرة.
وإذا كان شبلول أفرد المساحة الأكبر كي يتناول فيها عوالم محفوظ وما خلفها من مكنونات ثقافية، فإنه يتيح للشخصية الاستمرار في مناقشة عوالمه والقضايا الثقافية التي أثيرت من خلال إبداعه، وآراء النقاد، وما تبناه من آراء سياسية وفلسفية فصوت الكاتب يمثل الآني والمحفز لاستدعاء ماضي نجيب محفوظ ولحظات ما قبل الموت.
يدور الفصل الأول في مستشفى الشرطة بالعجوزة، وينتقل الخيال إلى الاسكندرية، فالاسكندربة فضاء الغوايات.
ثمة إضافات ومعلومات، بعضها يعرفها القارئ، وأخرى لم يطمسها الزمن أو تغافلها، فتذكرها مسرحية "بداية ونهاية" للمتلقي أو تُعيد إنتاجها وربطها بأحداث أخرى أو ملابسات احتفظ نجيب محفوظ وخصَّ الكاتب بها. "قد تجد إشارات.. سوف يفهمها مثلك ومثل من يدققون في أعمالي السابقة".
في الفصل الأول - الذي يُعد أطول فصول المسرحية - وهو فصل يتنقل فيه الحوار عبر منولوجات لمحفوظ، وفي الخلفية موسيقى خفيفة، يترك الكاتب أحمد فضل شبلول، مساحة موازية للمشاركة مع محفوظ، فتغلب السردية في نهاية المشهد الأول.

الموضوعات بين الحديث عن الحكيم. وجلوس سلماوي بجوار نجيب محفوظ فيغيب حوار الكاتب وتظهر بقعة الضوء, وحوار بين نجيب والكاتب وسلماوي. الحوار يبدو سريعًا والانتقال من بقعة الضوء إلى الشخصية أو جزء آخر من المستشفى.
الحوار هنا يختصر من الوقائع التي نعرفها لصالح ما نجهله، فمن منا يعرف أن السادات عرض على محفوظ منصب محافظ الاسكندرية، أو أنه باع أول كتبه بقرش، ولم يتحصل عليه؟
يقتنص شبلول إحدى قصص مجموعة "شهر العسل" وهي قصة رامزة عن وضع العالم وقت كتابتها. وياتى محفوظ / شبلول على لسان نجيب إنها قصة ترهص لما يحدث الآن. هنا يكسر الكاتب ما يسمى بمسرح الغرفة إلى المسرح المفتوح ليس مسرح بريخت لكن يكسر الحاجز. ويجيء صوت الجمهور غير مرة, حيث الاستغناء عن الشخصيات واستبدالها بأصوات، فالصوت يغني عن ظهور الشخصيات، ويجذب الانتباه. وتقوم الأصوات بدور الكاتب، ثم يطرح الكاتب سؤالا مباشرًا بعدما طلب صوت الحديث عن البدايات، والمراحل. فكل رواية لها حكايتها الخاصة، ويسهب نجيب في الوقاىع وتعديل مسار التجربة المحفوظية. وكيف استلهم التاريخ، ولماذا تخير فترات بعينها؟
لقد شارك الجمهور في الحوار، وترك شبلول للجمهور حرية إلقاء الأسئلة تمهيدًا للحديث عن "اللص والكلاب" والملابسات واختيار المعالجة الملائمة لفكر وفلسفة نجيب محفوظ. ويتعمد شبلول إضافة الحس الفكاهي من خلال بعض القفشات، حتى وهو يتصالح مع الموت، ينهي العبارة بقفشة من قفشاته، فأحمد فضل شبلول على طول مشاهد المسرحية يبرع في الإفادة لبناء شخصية نجيب.
وتستمر الأصوات في الجدال مع نجيب محفوظ، ويأخذ الكاتب طرف الخيط لطرح الاسئلة. وفي محاولة لاختصار الزمن والحديث عن الروايات التي أثيرت حولها مناقشات ووجهات نظر مختلفة، إلى الحديث عن جلسة الإعداد لفيلم "السمان والخريف" وظهور شخصية عيسى الدباغ. وأزمته النفسية والسياسية. وتزداد مساحة التذكر في حياة محفوظ، ولعل أهمها فوزه بجائزة نوبل. الذي يمهد لها الكاتب على لسان محفوظ نفسه. حيث يتبادل محفوظ موقع الكاتب في سرد ما حدث قبل الإعلان عن جائزة نوبل، ثم كيف استقبل محفوظ الإعلان عن الجائزة. وتعود الزوجة في الظهور مسرحيًّا أثناء مشهد إعلان الجائزة. ويعود الزمن إلى الحديث عن واقعة اغتيال محفوظ.
حين يقترب من النهايه ترتفع الغنائية ثم ينسحب الكاتب لتظهر ثلة من أشباح أبطال أفلامه. ويُضاء المسرح كاملا ويتحول إلى احتفال كرنفالي يتجمع فيه أبطال روايات محفوظ، ويأتي المشهد الثالث كتمهيد للمشهد الرابع والخامس والأخير.
وفي المشهد الرابع يتجلى الجبلاوي للجميع. إنه الزمن والتاريخ والضمير.
وإذا كان أحمد فضل شبلول استخدم أطيافًا تزور نجيب محفوظ، واستخدم الصمت كفعل يؤثر على الحضور وبخاصة محفوظ حيث يأخذ الجبلاوى سمت الضمير وهو العدالة، "الجبلاوى: جاءني هاتف يقول لا بد للظلم من آخر، ولليل من نهار".
إنها لحظات مكاشفة قرب النهاية، لكن طالما ثمة حياة فلا نهاية. ففي الموت حياة. فها هو الكاتب يُعين ناظرًا للوقف الجديد. فهل يمكن القول إنها بداية البداية، وليست بداية ونهاية، وأنها ميلاد رواية جديدة لنجيب محفوظ أو عنه؟
التعليقات