النجاح... ليس تمام الحكاية، بل صفحة واحدة مُذهبة في سفر الحياة المديد.
هو ذلك الوجه البهي الذي تستشرفه الأنفس طموحًا، وتُحدّق فيه العيون إعجابًا، وتهتف له القلوب ابتهاجًا. يزهو في بؤرة الضوء، مُوهمًا إيانا ببلوغ الغاية، لكنه في جوهره ليس إلا شطرًا من الرواية الكونية، لا يُحيط بكامل التجربة الإنسانية الغنية.
فثمة وجوه أخرى مُواربة في خِدر الظلال، حاضرة بقوة في أعماق الوجود، منها:
- وجه الفشل الصامت: ذلك الزائر الثقيل الذي يتسلل إلى الروح خفيةً حين تُوصَد الدروب، ليُلقي في الأسماع همسًا مُقلقًا: "أحقًا ظننتَ أنك في مأمن؟".
- وجه الوجع العميق: الذي لا يرتفع له أنين، لكنه ينزف في الخفاء، رفيق لحظات الوحدة وسكون الليل، يُطبق على الصدر حتى يختنق النَفَس دون بوح.
- وجه الانكسار النبيل: حيث تنتفض مُثقلًا بالجراح، لا بقوة زائفة تُظهِرها للعيان، بل بقوة الضرورة القاهرة التي لا تترك لك سبيلًا سوى المضي قُدمًا.
قد تُشرق شمسك في فلك العمل، وتتلألأ نجومك في محيطك الاجتماعي، ويُبهر ضياؤك أعين الناظرين، لكن في خضم هذا التألق الظاهري، تخوض معارك باطنية ضروسًا، تتجرع مرارة الهزائم بصمت، وتذرف دموعًا حبيسة لا تجد لها مخرجًا، وتشاهد أحلامك تتهاوى وتتلاشى في هدوء مُوجع.
فالحقيقة المُرة أن الإنسان قد يحمل في داخله خليطًا مُركبًا من النجاح الظاهر والانكسار الخفي، وأن الابتسامة المرسومة على الشفاه ليست بالضرورة دليلًا قاطعًا على خلو الباطن من وخزات الألم.
وهنا تتجلى حقيقة جلية لا ينبغي إغفالها: النجاح ليس قناعًا زائفًا، ولكنه قطعًا ليس الصورة الكاملة للحياة. فالحياة ليست أسيرة لحظة انتصار عابرة أو إنجازٍ مُعلن، بل هي سيمفونية مُعقدة تُعزف على أوتار الرحلة بكل تفاصيلها الدقيقة، بتلك اللحظات التي تاقت فيها الروح للاستسلام لكنها آثرت الثبات والمُضي.
فلا تُصدق من يهمس في أذنك بأن المجد يمحو الألم، فغالبًا ما يكون النجاح رداءً أنيقًا يُغطي ندوبًا عميقة لم تندمل بعد. وإذا رأيتَ نجمًا يُضيء سماء النجاح، فلا يغيب عن بالك أن لكل نور ظلالًا، بعضها قاتم وثابت كالجبال الراسخة.
التعليقات